للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آخره: "ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به"، والمعنى صحيحٌ؛ لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهًا، ولا طالب فقه، فيصحُّ أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم. انتهى (١).

قال معاوية -رضي الله عنه-: (وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّمَا) من أدوات الحصر (أَنَا) مبتدأ، وخبره قوله: (خَازِنٌ) اسم فاعل، من خَزَنَ المال، من باب نصر: إذا أحرزه.

وفي الرواية الآتية: "وإنما أنا قاسم، والله يُعطي ومعناه: أن المعطي حقيقةً هو الله تعالى، ولست أنا معطيًا، وإنما أنا خازنٌ على ما عندي، ثم أَقْسِم ما أُمِرت بقسمته على حسب ما أُمرت به، فالأمور كلها بمشيئه الله تعالى وتقديره، والإنسان مُصَرَّفٌ مربوب، قاله النوويّ رحمه الله (٢).

وقال في "العمدة": فيه "إنما" التي تفيد الحصر، والمعنى: ما أنا إلَّا قاسمٌ.

[فإن قلت]: كيف يصحّ هذا، وله -صلى الله عليه وسلم- صفات أخرى، مثل كونه رسولًا، ومبشرًا، ونذيرًا؟.

[أجيب]: بأن الحصر بالنسبة إلى اعتقاد السامع، وهذا ورد في مقامٍ كان السامع معتقدًا كونه معطيًا، وإن اعتقد أنه قاسمٌ، فلا ينفي إلَّا ما اعتقده السامع، لا كلَّ صفة من الصفات، وحينئذٍ إن اعتقد أنه معطٍ لا قاسمٌ، فيكون من باب قصر القلب؛ أي ما أنا إلَّا قاسمٌ؛ أي لا معطٍ، وإن اعتقد أنه قاسمٌ ومعطٍ أيضًا، فيكون من قصر الإفراد؛ أي لا شَرْكة في الوصفين؛ أي بل أنا قاسم فقط.

ومعناه: أنا أَقْسِم بينكم، فأُلقي إلى كل واحد ما يليق به، والله يُوَفِّق من يشاء منكم لفهمه، والتفكر في معناه.

وقال التوربشتيّ رحمه الله: اعلم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أعلم أصحابه أنه لم يُفَضِّل في


(١) "الفتح" ١/ ٢٩٠ كتاب "العلم" رقم (٧١).
(٢) "شرح النوويّ" ٧/ ١٢٩.