قسمة ما أوحى الله إليه أحدًا من أمته على أحد، بل سوَّى في البلاغ، وعَدَلَ في القسمة، وإنما التفاوت في الفهم، وهو واقع من طريق العطاء، ولقد كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- يسمع الحديث، فلا يفهم منه إلّا الظاهر الجليّ، ويسمعه آخر منهم، أو من بعدهم، فيستنبط منه مسائل كثيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقال الشيخ قطب الدين رحمه الله في "شرحه": قوله: "إنما أنا قاسم"؛ يعني أنه لم يستأثر بشيء من مال الله، وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما لي بما أفاء الله عليكم إلَّا الخمس، وهو مردود عليكم"، وإنما قال:"أنا قاسم"؛ تطييبًا لنفوسهم؛ لمفاضلته في العطاء، فالمال لله، والعباد لله، وأَنا قاسم بإذن الله ماله بين عباده.
قال العينيّ رحمه الله: بين الكلامين بَوْنٌ؛ لأن الكلام الأول يُشْعِر القسمة في تبليغ الوحي، وبيان الشريعة، وهذا الكلام صريح في قسمة المال، ولكل منهما وجه.
أما الأول: فإن نَظَر صاحبه إلى سياق الكلام، فإنه أخبر فيه أن من أراد الله به خيرًا يفقهه في الدين؛ أي في دين الإسلام، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩]، وقيل: الفقهُ في الدين: الفقهُ في القواعد الخمس، ويتصل الكلام عليها في الأحكام الشرعية، ثم لما كان فقههم متفاوتًا؛ لتفاوت الأفهام أشار إليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"إنما أنا قاسم"؛ يعني أن هذا التفاوت ليس مني، وإنما الذي هو مني هو القسمة بينكم؛ يعني تبليغ الوحي إليهم، من غير تخصيص بأحد، والتفاوت في أفهامهم من الله تعالى؛ لأنه هو المعطي، يعطي الناس على قدر ما تعلقت به إرادته؛ لأن ذلك فضل منه يؤتيه من يشاء.
وأما الثاني: فإن نَظَر صاحبه إلى ظاهر الكلام؛ لأن القسمة حقيقةً تكون في الأموال، ولكن يتوجه هنا السؤال عن وجه مناسبة هذا الكلام لما قبله، ويمكن أن يجاب عنه بأن مَوْرِد الحديث كان وقت قسمة المال حين خصص -صلى الله عليه وسلم- بعضهم بالزيادة؛ لحكمة اقتضت ذلك، وخَفِيت عليهم، حتى تَعَرَّض بعضهم بأن هذه قسمة فيها تخصيص لناس، فرَدّ عليهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "من يرد الله