للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به … إلخ"؛ يعني من أراد الله به خيرًا يوفقه، ويزيد له في فهمه في أمور الشرع، ولا يعترض لأمر ليس على وفق خاطره؛ إذ الأمر كله لله، وهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يزيد وينقص، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- قاسم، وليس بمعطٍ حتى يُنْسَب إليه الزيادة والنقصان، وعن هذا فَسَّر أصحاب الكلام الثاني قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والله يعطي" بقولهم: أي مَن قسمت له كثيرًا فبقدر الله تعالى، وما سبق له في الكتاب، وكذا من قسمت له قليلًا فلا يزداد لأحد في رزقه، كما لا يزداد في أجله.

وقال الداوديّ رحمه الله: في قوله: "إنما أنا قاسم، والله يعطي" دليل على أنه إنما يعطي بالوحي، ثم قال في آخر كلامه: إن شأن أمته القيامُ على أمر الله إلى يوم القيامة، وهم الذين أراد الله بهم خيرًا حتى فَقِهُوا في الدين، ونصروا الحقّ، ولم يخافوا ممن خالفهم، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢]. انتهى (١).

(فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ) بحذف المفعول الثاني؛ أي المالَ (عَنْ طِيبِ نَفْسٍ) أي طيب نفسه -صلى الله عليه وسلم-، وانشراح صدره لما أعطاه؛ يعني أنه لم يُعطه كارهًا (فَيُبَارَكُ) بالبناء للمفعول؛ أي يجعل الله تعالى البركة.

[تنبيه]: دخول الفاء على المضارع إذا وقع جواب شرط جائزٌ، كما في قوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} [الجن: ١٣] ويكون الفعل مرفوعًا، بتقدير مبتدأ، والجملة جواب الشرط (٢)؛ أي فهو يبارك له فيه، وفي رواية الطبرانيّ: "فإنه يبارك له فيه" (لَهُ) أي للشخص الْمُعْطَى (فِيهِ) أي في ذلك المال الذي أعطاه -صلى الله عليه وسلم- له (وَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ) "عن" هنا بمعنى "بَعْد"؛ أي بعد مسألته، كما في قوله تعالى: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: ٤٠]؛ أي بعد قليل، وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦ والمائدة: ١٣] أي بعد مواضعه، بدليل قوله في مكان آخر: {مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: ٤١]، وقوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)} [الانشقاق: ١٩]؛ أي حالًا بعد حال، وقول الشاعر [من الرجز]:


(١) راجع: "عمدة القاري" ٢/ ٥١ - ٥٢.
(٢) راجع: "حاشية الخضري على ابن عقيل" ٢/ ١٩٠.