للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "ولا تُلحفوا في المسألة" هكذا هو في بعض الأصول "في المسألة" بـ "في"، وفي بعضها بالباء، وكلاهما صحيح، والإلحاف: الإلحاح. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "لا تلحفوا في المسألة" هكذا صحيح الرواية، ومعناه: لا تُنزلوا بي المسألة الملْحَفَ فيها؛ أي لا تُلحّوا عليّ في السؤال، والإلحاف: الإلحاح، وإنما نهى عن الإلحاح؛ لما يؤدّي إليه من الإبرام، واستثقال السائل، وإخجال المسؤول، حتى إنه إن أخرج شيئًا أخرجه عن غير طيب نفس، بل عن كراهة وتبرّم، وما استُخرج كذلك لم يُبارك فيه؛ لأنه مأخوذ على غير وجهه، ولذلك قال: "فتُخرِج له المسألة شيئًا، وأنا كارهٌ له"، ثم قد كان المنافقون يُكثرون سؤال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليبخّلوه، فكان يُعطي العطايا الكثيرة بحسب ما يُسأل؛ لئلا يتمّ لهم غرضهم من نسبته إلى البخل، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنهم خيّروني بين أن يسألوني بالفحش، أو يُبَخّلوني، ولست بباخل"، رواه مسلم. انتهى (٢).

(فَوَاللهِ لَا يَسْأَلُنِي) أي بالإلحاف (أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا) أي من المال (فَتُخْرِجَ) قال القاري رحمه الله: بالتأنيث، والتذكير (٣)، منصوبًا ومرفوعًا، وبالنسبة مجازيةً سببية في الإخراج. انتهى (٤).

(لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا، وَأَنَا لَهُ) أي لذلك الشيء؛ يعني لإعطائه، أو لذلك الإخراج الدالّ عليه "تخرج" (كَارِهٌ) جملة في محلّ نصب على الحال (فَيُبَارَكَ لَهُ) بالبناء للمفعول، والنصب بـ "أن" مضمرة بعد الفاء السببيّة الواقعة في جواب النفي، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ … مَحْضَيْنِ "أَنْ" وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ

وقال الأشرف رحمه الله: قوله: "فيبارك له" بالنصب بعد الفاء على معنى


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١٢٩.
(٢) "المفهم" ٣/ ٨٣.
(٣) هذا بالنسبة لرواية "مشكاة المصابيح"، وأما بالنسبة لـ"صحيح مسلم" فليس فيه إلا التاء الفوقانيّة، فتنبّه.
(٤) "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٣٠٢.