للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجمعية؛ أي لا يجتمع إعطائي أحدًا شيئًا، وأنا كارهٌ في ذلك الإعطاء، ويُباركَ الله في ذلك الذي أعطيته إياه، ونظيره قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد، فيلجَ النار … " الحديث (١) بنصب "يَلِجَ".

وقال القرطبيّ رحمه الله بعد كلام الأشرف هذا: هذا الحديث نظير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ} الآية [الأنعام: ٥٢] في وجه الإعراب، لا في المعنى؛ لأن المعنى في الآية: الطرد المسبّب عن الحساب منفيّ عنك، فكيف تطردهم؟ فالمنفيّ الفعل المعلّل، وفي الحديث المعلّل هو المنفيّ؛ أي عدمُ السؤال الملحّ المخرج سببُ البركة، فيُفهم منه أن السؤال الملحّ سبب لعدم البركة، قال: ولو رُوي بالرفع لم يفتقر إلى هذا التكلّف، وجعله سببًا ومسبّبًا، بل يكون رفعًا على الاشتراك، فيكون كقوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦)} [المرسلات: ٣٦]. انتهى (٢).

(فِيمَا أَعْطَيْتُهُ") أي في المال الذي أعطاه -صلى الله عليه وسلم- له، وهو كاره لعطائه، وفيه تحريم الإلحاح في السؤال؛ لأنه ورد بصيغة النهي، وهي للتحريم ما لم يصرفها صارف، ولا صارف هنا، وأن ما أُخذ عن إلحاح لا بركة فيه.

وقال الغزاليّ: من أخذ شيئًا مع العلم بأن باعث المعطي الحياء منه، أو من الحاضرين، ولولا ذلك لما أعطاه، فهو حرام إجماعًا، ويلزمه ردّه، أو رد بدله إليه أو إلى ورثته (٣).

وقال النوويّ: اتَّفَقَ العلماءُ على النهي عن السؤال لغير ضرورة، واختَلَف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما أنها حرام؛ لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط: أن لا يُذِلّ نفسه، ولا يُلِحّ في السؤال، ولا يكلف بالمسؤول، فإن فُقِد أحد الشروط فحرام بالاتفاق. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) متّفقٌ عليه.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١٥١٢.
(٣) راجع: "المرقاة" ٤/ ٣٠٢.