للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأصول كلِّها: "فما المسكين؟ "، وهو صحيحٌ؛ لأن "ما" تأتي كثيرًا لصفات مَن يَعْقِل، كقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣]. انتهى (١).

ووقع في رواية مالك بلفظ: "فمن المسكين"، وهي واضحة، قال في "الطرح": قوله: "فمن المسكين؟ "، كذا هو في روايتنا، من طريق أبي مصعب، عن مالك، وهو الوجه، وفي رواية يحيى بن يحيى، عن مالك: "فما المسكين؟ "، وتابعه عليه جماعة، كما ذكره ابن عبد البرّ، وكذا هو في "صحيح مسلم"، من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الْحِزَاميّ، وله ثلاث توجيهات:

[أحدها]: أن يكون أراد: فما الحال التي يكون بها السائل مسكينًا؟.

[والثاني]: أن تكون "ما" هنا بمعنى "مَنْ"، كما قيل في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥)} [الشمس: ٥]، وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣)} [الليل: ٣]، ذكرهما ابن عبد البرّ رحمه الله.

[والثالث]: أن "ما" تأتي كثيرًا لصفات مَن يَعْقِل، كقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}؛ أي الطيب. انتهى (٢).

(قَالَ: "الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى) بكسر الغين مقصورًا: اليسار، وقوله (يُغْنِيه) صفة له، وهو قدر زائد على اليسار؛ إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يستغني به، بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، واللفظ مُحْتَمِلٌ لأن يكون المراد نفي أصل اليسار، ولأن يكون المراد نفي اليسار المقيَّد بأنه يُغنيه مع وجود أصل اليسار، وهذا كقوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، وكقول الشاعر:

عَلَى لَا حِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ

وعلى الاحتمال الثاني ففيه أن المسكين هو الذي يملك ما يقع موقعًا من كفايته لا يكفيه، وهو حينئذ أحسن حالًا من الفقير، فإنه الذي لا يَملِك شيئًا أصلًا، أو يملك ما لا يقع موقعًا من كفايته، وبهذا قال الشافعيّ، وأبو حنيفة، وفقهاء الكوفة، وقال به من أهل اللغة: الأصمعيّ، وأبو جعفر أحمد بن عُبيد،


(١) "شرح النووي" ٧/ ١٢٩ - ١٣٠.
(٢) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٤/ ٣٣.