للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهب إلى هذا قومٌ من أهل اللغة، والحديث، منهم أبو حنيفة، والقاضي عبد الوهّاب.

والوفق من الموافقة بين الشيئين كالالتحام؛ يقال: حَلُوبته وفقَ عياله؛ أي لها لَبَنٌ قدرَ كفايتهم، لا فضل فيه، قاله الجوهريّ.

(الثاني): ذهب آخرون إلى أن المسكين أحسن حالًا من الفقير، واحتجّوا بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} الآية، فأخبر أنّ لهم سفينةً من سُفُن البحر، وربّما ساوت جملةً من المال، وعضدوه بما روي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه تعوّذ من الفقر، وروي عنه أنه قال: "اللهمّ أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا" (١)، فلو كان المسكين أسوأ حالًا من الفقير لتناقض الخبران؛ إذ يستحيل أن يتعوّذ من الفقر، ثمّ يسأل ما هو أسوأ حالًا منه، وقد استجاب الله دعاءه، وقُبِض، وله مالٌ مما أفاء الله عليه، ولكن لم يكن معه تمام الكفاية؛ ولذلك رَهَنَ دِرْعَه، قالوا: وأمّا بيت الراعي، فلا حجّة فيه؛ لأنه إنما ذكر أن الفقير كانت له حَلُوبةٌ في حالٍ، قالوا: والفقير معناه في كلام العرب: المفقور الذي نُزِعت فِقَرُهُ (٢) من ظهره من شدّة الفقر، فلا حال أشدّ من هذه، وقد أخبر الله بقوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٧٣]، واستشهدوا بقول الشاعر [من الكامل]:

لَمَّا رَأَى لُبَدُ (٣) النُّسُورَ تَطَايَرَتْ … رَفَعَ الْقَوَادِمَ كَالْفَقِيرِ الأَعْزَلِ

أي لم يُطق الطيران، فصار بمنزلة من انقطع صلبه، ولَصِق بالأرض، ذهب إلى هذا الأصمعيّ، وغيره، وحكاه الطحاويّ عن الكوفيين، وهو أحد قولي الشافعيّ، وأكثرِ أصحابه.


(١) أخرجه الترمذيّ في جامعه، بسند ضعيف.
(٢) الفقرة -بالكسر- والفَقْرة، والفقارة -بالفتح-: ما انتضد من عظام الصلب، من لدن الكاهل إلى العجب.
(٣) لُبَد اسم آخر نِسورِ لقمان بن عاد، سماه بذلك لأنه لبد، فبقي لا يذهب، ولا يموت، والقوادم أربع ريشات في مقدّم الجناح، الواحدة قادمة. من هامش القرطبيّ ٨/ ١٨٩.