للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والباقيان ذُكرا قبله.

وقوله: (إِنَّمَا الْمِسْكِينُ) وفي نسخة: "إِنَّ الْمِسْكِينَ"؛ أي إن الكامل في المسكنة.

وقوله: (الْمُتَعَففُ) أي الممتنع عن المسألة، بمعنى أنه لا يسأل الناس مع احتياجه تعفّفًا، ولذا أتبعه بقوله: "اقرأوا إن شئتم: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] " أي إن أردتم أن تعلموا معنى المسكين من كتاب الله تعالى، فاقرءوا هذه الآية.

قال السمين الحلبيّ رحمه الله: الإلحاف، والإلحاح، واللَّجَاج، والإحفاء، كلّه بمعنًى، يقال: ألحف، وألحّ في المسألة: إذا لجّ فيها، قال: واشتقاقه من اللِّحَاف؛ لأنه يشتمل الناس بمسألته، ويعمّهم، كما يشتمل الفحاف مَنْ تحتَهُ ويُغطّيه، ومنه قول ابن أحمر يَصِفُ ذَكَر نَعَام يَحضُنُ بيضه بجناحيه، ويجعل جناحه لها كاللِّحاف [من الكامل]:

يَظَلُّ يَحُفّهُنَّ بِقَفْقَفَيْهِ (١) … وَيُلْحِفُهُنَّ هَفْهَافًا ثَخِينَا

وقال آخر في المعنى [من الرمل]:

ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ الْمِسْكِ بِهِمْ … يُلْحِفُونَ الأَرْضَ هُدَّابَ الأُزُرْ

أي يُلبسونها الأرض كإلباس اللحاف للشيء، وقيل: بل اشتقاق اللفظة من لَحْفِ الجبلِ، وهو المكان الخَشِنُ، ومجازه أنّ السائل لكثرة سؤاله كأنه استعمل الخشونة في مسألته، وقيل: بل هي من لَحَفَني فلانٌ: أي أعطاني فضل ما عنده، وهو قريبٌ من معنى الأول.

قال: وفي نصب {إِلْحَافًا} ثلاثة أوجه:

(أحدها): نصبه على المصدر بفعل مقدّر؛ أي يُلحفون إلحافًا، والجملة المقدّرة حالٌ من فاعل {يَسْأَلُونَ}.

(الثاني): أن يكون مفعولًا من أجله: أي لا يسألون لأجل الإلحاف.

(الثالث): أن يكون مصدرًا في موضع الحال، تقديره: لا يسألون مُلحفين.


(١) قفقفا الطائر: جناحاه.