للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أبو عبيدة: انتصب إلحافًا على أنه مصدر في موضع الحال؛ أي لا يسألون الناس في حال الإلحاف، أو مفعولٌ لأجله؛ أي لا يسألون لأجل الإلحاف. انتهى (١).

وقال الحافظ رحمه الله: وهل المراد نفي المسألة؛ أي لا يسألون أصلًا، أو نفي السؤال بالإلحاف خاصّة، فلا ينتفي السؤال بغير إلحاف؟ فيه احتمال، والثاني أكثر في الاستعمال، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: أَبُو سألوا لم يسألوا إلحافًا، فلا يستلزم الوقوع. انتهى (٢).

وقال السمين رحمه الله واعلم أن العرب إذا نفت الحكم عن محكوم عليه فالأكثر في لسانهم نفي ذلك القيد، نحو: ما رأيت رجلًا صالحًا، الأكثر على أنك رأيت رجلًا، ولكن ليس بصالح، ويجوز أنك لم تر رجلًا البتّة، لا صالحًا، ولا طالحأ، فقوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} المفهوم أنهم يسألون لكن لا بإلحاف، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم لا يسألون، ولا يُلحفون، والمعنيان منقولان في التفسير، والأرجح الأوّل عندهم، ومثله في المعنى: ما تأتينا، فتحدّثنا، يجوز أنه يأتيهم، ولا يحدّثهم، ويجوز أنه لا يأتيهم، ولا يُحدّثهم، انتفى السبب، وهو الإتيان، فانتفى السبب، وهو التحديث.

وقد شبّه الزجّاج رحمه الله معنى هذه الآية الكريمة بمعنى بيت امرئ القيس، وهو قوله [من الطويل]:

عَلَى لاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ … إَذَا سَافَهُ الْعَوْدُ النَّبَاطيُّ جَرْجَرَا (٣)

قال أبو حيّان: تشبيه الزجّاج إنما هو في مطلق انتفاء الشيئين؛ أي لا سؤال، ولا إلحاف، وكذلك هذا: لا منار، ولا هداية، لا أنه مثله في خصوصيّة النفي؛ إذ كان يلزم أن يكون المعنى: لا إلحاف، فلا سؤال، وليس


(١) راجع: "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" ١/ ٦٥٧ - ٦٥٨.
(٢) راجع: "الفتح" في كتاب "التفسير" ٩/ ٦٣.
(٣) "اللاحب": الطريق الواضح، و"سافه": شَمّه، و"الْعَوْد": الجمل المسنّ، و"جرجر": صوّت، وقوله: "لا يهتدى بمناره" يريد نفي المنار والاهتداء.