تركيب الآية على هذا المعنى، ولا يصحّ لا إلحاف فلا سؤال؛ لأنه لا يلزم من نفي الخاص نفي العائم، كما لَزِم من نفي المنار نفي الهداية التي هي من بعض لوازمه، وإنما يؤدي معنى النفي على طريقة النفي في البيت أن أَبُو كان التركيب:"لا يلحفون الناس سؤالًا"؛ لأنه يلزم من نفي السؤال نفي الإلحاف؛ إذ نفي العامّ يدلّ على نفي الخاصّ، فتلخص من هذا كله أن نفي الشيئين تارةً تُدخِل حرفَ النفي على شيء، فتنتفي جميعُ عوارضه، وتُنَبِّه على بعضها بالذكر؛ لغرض فا، وتارة تُدخل حرفَ النفي على عارض من عوارضه، والمقصود نفيه، فينتفي لنفيه عوارضه (١).
قال السمين رحمه الله: قد سبقه ابن عطيّة إلى هذا، فقال: تشبيهه ليس مثله في خصوصيّة النفي؛ لأن انتفاء المنار في البيت يدلّ على نفي الهداية، وليس انتفاء الإلحاح يدل على انتفاء السؤال، وأطال ابن عطيّة في تقرير هذا، وجوابه ما تقذم، من أن المراد نفي الشيئين، لا بالطريق المذكور في البيت، وكان أبو حيان قد قال قبلُ ما حكيته عنه آنفًا: ونظير هذا ما تاتينا فَتُحَدِّثَنا، فعلى الوجه الأول -يعني نفيَ القيد وحده- ما تأتينا محدثًا، إنما تأتي ولا تُحَدِّث، وعلى الوجه الثاني -يعني نفي الحكم بقيده- ما يكون منك إتيان، فلا يكون حديث، وكذلك هذا: لا يقع منهم سؤال البتةَ، فلا يقع إلحاح، ونَبَّهَ على نفي الإلحاح دون غير الإلحاح؛ لقبح هذا الوصف، ولا يراد به نفي هذا الوصف وحده، ووجود غيره؛ لأنه كان يصير المعنى الأول، وإنما يراد بنفي مثل هذا الوصف نفي المترتبات على المنفي الأول؛ لأنه نَفَى الأولَ على سبيل العموم، فتنتفي مترتباته، كما أنك إذا نفيت الإتيان، فانتفى الحديثُ، انتفت جميع مترتبات الإتيان، من المجالسة، والمشاهدة، والكينونة في محل واحد، ولكنه نَبَّهَ بذكر مترتب واحد؛ لغرضبى مّا على ذكر سائر المترتبات.
قال: وطريقة أبي إسحاق الزجّاج هذه قد قبلها الناس، ونصروها، واستحسنوا تنظيرها بالبيت، كالفارسيّ، وأبي بكر الأنباريّ، قال أبو عليّ: لم