للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى الله) أي حتى يموت، فيلقى الله عز وجل (وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ") جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، و"الْمُزْعَةُ"- بضم الميم، وسكون الزاي، وبالعين المهملة-: القطعة، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي، والذي أحفظه عن المحدثين الضمّ، وقال ابن فارس: بكسر الميم، واقتصر عليه القَزّاز في "جامعه"، وذكر ابن سِيدَهْ الضم فقط، وكذا الجوهريّ، قال: وبالكسر من الرِّيش، والقطن، يقال: مَزَعْتُ اللحمَ: قطعتُهُ قطعة قطعةً، ويقال: أطعمه مُزْعَةً من لحم: أي قطعةً منه.

قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "مُزْعُة لحم": أي قطعة لحم، ومنه مَزَعَت المرأةُ الصوفَ: إذا قطّعته لتهيّئه للغزل، وتمزعّ أنفه: أي تشقّق. وهذا كما قيل في الحديث الآخر: "المسائل كُدُوحٌ، أو خُدُوشٌ، يَخدُشُ بها الرجل وجهه يوم القيامة".

وهذا محمولٌ على كلّ من سأل سؤالًا لا يجوز له. وخصّ الوجه بهذا النوع؛ لأنّ الجناية به وقعت؛ إذ قد بذل من وجهه ما أُمر بصونه عنه، وتصرّف به في غير ما سُوّغ له. انتهى (١).

وقال القاضي عياض رحمه الله: قيل: معناه يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا، لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، فيُحْشَر ووجهه عظم لا لحم عليه؛ عقوبةً له، وعلامة له بذنبه حين طلب، وسأل بوجهه، كما جاءت الأحاديث الأُخَر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالًا منهيًّا عنه، وأكثر منه، كما في الرواية الأخرى: "من سأل تكثرًا"، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال الخطابيّ رحمه الله يَحْتَمِل أن يكودن المراد أنه يأتي ساقطًا، لا قَدْرَ له، ولا جاه، أو يُعَذَّب في وجهه حتى يسقط لحمه؛ لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء؛ لكونه أذلَّ وجهَهُ بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عَظْمٌ كله، فيكون ذلك شعاره الذي يُعْرَف به. انتهى.


(١) "المفهم" ٣/ ٨٥.
(٢) راجع: "الإكمال" ٣/ ٥٧٤ - ٥٧٥.