قال الحافظ رحمه الله: والأول صرف للحديث عن ظاهره، وقد يؤيده ما أخرجه الطبرانيّ والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعًا: دالا يزال العبد يسأل، وهو غنيّ حتى يَخْلُق وجهه، فلا يكون له عند الله وجهٌ".
وقال ابن أبي جمرة: معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء؛ لأن حسن الوجه هو مما فيه من اللحم. انتهى.
ومال المهلَّب رحمه الله إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السرّ فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره، قال: والمراد به من سال تكثرًا، وهو غنيّ لا تحل له الصدقة، وأما من سأل، وهو مضطرّ فذلك مباح له، فلا يعاقب عليه. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حمل الحديث على ظاهره -كما رأى المهلّب رحمه الله- هو الأولى، ولا ينافيه حديث الطبرانيّ والبزّار المذكور؛ لأن المعنى: أنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه، ومع ذلك لا يكون له وجهٌ؛ أي شرحث عند الله تعالى، وقد أورد البخاريّ رحمه الله مؤيّدًا حمل الحديث على ظاهره بعد أن أورد حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المذكور في الشفاعة، فقال: وقال: "إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى يبلغ العَرَق نصف الأذن، فبينا هم كذلك، استغاثوا باَدم، ثم بموسى، ثم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
وزاد عبد الله بن صالح: حدثني الليث، حدثني ابن أبي جعفر:"فيشفع ليُقضَى بين الخلق، فيمشي، حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقامًا محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم". انتهى.
ووجه ذلك أن الشمس إذا دنت يكون مَن لا لحم على وجهه أشدّ تأذّيًا بها من غيره.
والحاصل أن ظاهر الحديث هو المقصود، وبقيّة المعاني لا تنافيه، فيبعث لا لحم على وجهه، ويكون لا قدر له عند الله تعالى، ويعذّب بتساقط لحمه.