وهذا كلّه فيمن سأل تكثّرًا، وهو غنيّ، لا تحلّ له الصدقة، وأما من سأل، وهو مضطرٌّ، فذلك مباحٌ له، فلا يناله الوعيد المذكور؛ للأدلّة الأخرى التي تدلّ على عدم دخوله فيه، كما أشرت إليه سابقًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣٦/ ٢٣٩٦ و ٢٣٩٧ و ٢٣٩٨](١٠٤٠)، و (البخاريّ) في "الزكاة"(١٤٧٥)، و (النسائيّ) في "الكبرى"(٢/ ٥٠)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه "(١١/ ٩٢)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه "(٤٢٤)، و (أحمد) في (أمسنده " (١٥/ ٢ و ٨٨)، و (عبد بن حميد) في "مسنده" (١/ ٢٦٢)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه" (٣/ ١٠٨ - ١٠٩)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط " (١/ ١٠٤ و ٨/ ٣١٠)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان ذمّ مسألة الناس تكثّرًا، دون ضرورة.
٢ - (ومنها): بيان عقوبة مَنْ أكثر من سؤال الناس، وهو أنه يأتي يوم القيامة، وليس على وجهه قطعة لحم.
٣ - (ومنها): أن يوم القيامة هو يوم وقوع الجزاء الأوفى، من ثواب، أو عقاب.
٤ - (ومنها): ما نَقَل ابن بطال عن المهلَّب، قال: فَهِم البخاريّ أن الذي يأتي يوم القيامة لا لحم في وجهه من كثرة السؤال أنه للسائل تكثُّراً لغير ضرورة إلى السؤال، ومن سأل تكثرًا فهو غنيّ، لا تحل له الصدقة، وإذا جاء يوم القيامة لا لحم على وجهه، فتؤذيه الشمس أكثر من غيره، ألا ترى قوله في الحديث: "الشمس تدنو حتى يبلغ الْعَرَق نصف الأذن … "، فَحَذَّر من الإلحاف في المسألة لغير حاجة إليها، وأما من سال مضطرًّا فمباح له ذلك،