قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول أبي بكر ابن العربيّ: فأما وجوبه فللمريدين في ابتداء الأمر إلخ صدور مثل هذا الكلام من أمثاله عجيب، كيف يكون تهذيب الأخلاق بما هو من محظورات الشرع؟، فهل تهذّب النفوس إلا بمتابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومخالفة الهوى المضادّة لسنته؟. وهل جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بتهذيب الأخلاق بالسؤال؛ وهل الأولياء يكونون قدوة في الشيء المذموم شرعًا؛ وما كانوا أولياء إلا بالتقوى، واتباع السنة، ومجانبة البدع والهوى، إن هذا لهو العجب العجاب، ومن الغريب أن العراقيّ اعترض عليه في قوله بالوجوب، ولم يعترض عليه في دعواه مشروعية تهذيب الأخلاق بالسؤال، بل وافقه في أصل المشروعية، حيث قال: وإنما جرت عادة المشايخ الذين يهذّبون أخلاق المريدين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك صلاحهم.
فهل هذا التهذيب من عمل الصحابة، والتابعين؟، لا، بل هذا مما ابتدعه الجهالة الذين لم يستضيئوا بنور الكتاب والسنّة، فالتهذيب الصحيح للأخلاق والنفوس، لا يكون إلا بما شرعه العليم الحكيم على لسان من أرسله مهذبًا للأخلاق، وهادي الخلق إلى الخلّاق.
وبالجملة فالنجاة كل النجاة في الدنيا والآخرة في اتباع هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله تعالى في حقّه:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: ٥٤]، وقال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧]، وقال:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): قال الحافظ العراقيّ رحمه الله في "شرح الترمذيّ": ورد التخصيص في السؤال في أربعة أماكن: وهي أن يسأل سلطانًا، أو في أمر لا بدّ منه، أو ذا رحم في حاجة، أو الصالحين.
فأما السلطان فهو الذي بيده أموال المصالح، وأما الأمر الذي لا بدّ منه، فهو الحاجة التي لا بدّ منها، وأما ذو الرحم، فلِمَا ورد في الصدقة على ذي الرحم من الفضل، ولذهاب بعض العلماء إلى وجوب النفقة عليه مع وصف الفقر والعجز، فرُخّص في سؤاله، وأما سؤال الصالحين فهو في حديث ابن الفراسيّ الذي أخرجه النسائيّ رحمه الله.