للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبو بكر ابن العربيّ: وبالجملة فإن السؤال واجب في موضع جائز في آخر حرام في آخر مندوب على طريق، فأما وجوبه، فللمريدين في ابتداء الأمر، وظاهر حالهم، وللأولياء للاقتداء، وجرياً على عادة الله في خلقه، ألا ترى إلى سؤال موسى والخضر لأهل القرية طعامًا، وهما من الله تعالى بالمنزلة المعلومة، فالتعريف بالحاجة فرض على المحتاج، وإذا ارتفعت الضرورة جاز أن يسأل في الزائد عليها، مهما يحتاج إليه، ولا يقدر عليه، ثم أنشد لبعضهم:

لَمَالُ الْمَرْءَ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي … مَفَاقِرَهُ (١) أَعَفَّ مِنَ الْقُنُوعِ

قال: وإذا كملت للمرء مفاقره، وارتفعت حاجاته، لم يجز له أن يسَال تكثّرًا، ثم قال: وقد يكون السؤال واجبًا، أو مندوبًا، أما وجوبه، فللمحتاج، وأما المندوب فلمن يُعينه، وُيبيّن حاجته، إن استحيى هو من ذلك، أو رجا أن يكون بيانه أنفع، وأنجح من بيان حال السائل، كما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يسأل لغيره. انتهى.

قال الحافظ العراقيّ رحمه الله: فذكر أربعة أوجه من الأحكام الشرعيّة في المسألة، دون الخامس، وهو قسم المكروه، فأما تمثيله للواجب بسؤال المحتاج فواضخ، وأما قسم المكروه، فسؤاله للسلطان مع إمكان الاستغناء عنه، وقد جمعهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حديث سمرة -رضي الله عنه- بقوله: "إلا أن يسأل الرجل سلطانًا، أو في أمر لا بدّ منه"، فهذا الأخير هو السؤال الواجب، قال: وأما تمثيل القاضي أبي بكر السؤال الواجب بالمريدين في ابتداء الأمر، وبسؤال الأولياء للاقتداء، وتمثيله بسؤال موسى والخضر طعامًا من أهل القرية ففيه نظر، ولا يُطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم الوجوب، وإنما جرت عادة المشايخ الذين يهذّبون أخلاق المريدين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك صلاحهم، فأما الوجوب الشرعيّ فلا، وأما سؤال الخضر وموسى، فلا يلزم هذه الأمة الاقتداء بهما في ذلك، وإنما وقع ذلك من الخضر لحكمة أطلعه الله عليها ليبيّن لموسى عليه السلام ما ينتهي الحال إليه في المرّات الثلاث. انتهى كلام العراقيّ منقولًا من "طرح التثريب" (٢).


(١) المفاقر: جمع فقر على غير قياس، أو جمع مُفْقِر مصدر أفقره. قاله في "للسان".
(٢) راجع: "طرح السّريب" ٤/ ٧٨ - ٧٩.