للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"لا يُمنَع فضلُ الماء ليُمنَع به الكلأُ"، ولو كان النبات في حائط إنسان لما حلّ له أن يمنع منه أحدًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا حِمَى إلا لله، ولرسوله"، وقال الكوفيّون كقول أشهب. قاله في "طرح التثريب " (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله الإمام مالك رحمه الله هو الأرجح؛ لأن معنى الحديث: أنه لا يجوز لصاحب الماء الفاضل عن حاجته منعه عن أصحاب المواشي، حتى لا يترّتب على منعه منع الكلأ المباح؛ لأنهم إذا لم يجدوا ماء لا يمكنهم رعي مواشيهم في ذلك الكلأ، وليس المراد منع الكلأ المملوك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في الاكتساب فائدتان: الاستغناء عن السؤال، والتصدّق على المحتاج، وقد ذكرهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قوله في رواية مسلم: "فيتصدّق، ويستغني من الناس"، كذا في أكثر نسخ "صحيح مسلم" بالميم، وفي بعضها "عن الناس" بالعين. قال النوويّ: وكلاهما صحيح، والأول محمول على الثاني. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): أشار في رواية المصنّف هذه إلى العلّة في تفضيل الاكتساب على السؤال، وهي أن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، والمكتسب يده عُلْيا، إن تصدّق، وكذا إن لم يتصدّق، وفسرنا العليا بالمتعفّفة عن السؤال، فقد يُستدلّ بهذا على ترجيح الرواية التي فيها "اليد العليا هي المتعفّفة"؛ لأنه لا يلزم من الاكتساب الصدقةُ، لكن تبيّن برواية المصنّف أن تفضيل الاكتساب هو للصدقة والاستغناء عن الناس، وكما أنه لا يلزم من الاكتساب الصدقة، لا يلزم من الاكتساب التعفّف عن السؤال، فربّ مكتسب مكتفِ، يسأل تكثّرًا، قاله وليّ الدين رحمه الله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم في حكم سؤال الناس:

ذكر الحافظ العراقيّ رحمه الله في "شرح الترمذيّ" أن المسألة تنقسم إلى الأحكام الشرعيّة: التحريم، والكراهة، والوجوب، والندب، والإباحة، وقال


(١) "الطرح" ٤/ ٨٤ - ٨٥.
(٢) "الطرح" ٤/ ٨٤.