٢ - (ومنها): بيان أن من تحمّل حَمالة يستحقّ الصدقة، وهو معنى (الغارم) المذكور في آية الصدقة.
٣ - (ومنها): ما قاله الخطّابيّ رحمهُ اللهُ: في هذا الحديث علم كثيرٌ، وفوائد جمّة، ويدخل في أبواب من العلم والحكم، وذلك أنه قد جعل من تحلّ له المسألة من الناس أقسامًا ثلاثة: غنيًّا، وفقيرين، وجعل الفقر على ضربين: فقرًا ظاهرًا، وفقرًا باطنًا، فالغنيّ الذي تحلّ له المسألة هو صاحب الحمالة، وهي الكفالة، والْحَمِيل: الضمين، والكفيل، ثم ذكر تفسير الحمالة كما تقدّم، ثم قال: فهذا الرجل صنع معروفًا، وابتغى بما أتاه صلاحًا، فليس من المعروف أن تترك الغرامة في ماله، ولكن يُعان على أداء ما تحمّله منه، ويُعطى من الصدقة قدر ما تبرأ به ذمّته، ويخرج من عهدة ما تضمّنه منه.
وأما النوع الأول من نوعي أهل الحاجة، فهو رجلٌ أصابته جائحةٌ في ماله، فأهلكته، والجائحة في غالب العرف هي ما ظهر من الآفات، كالسيل يُغرق متاعه، والنار تُحرقه، والبرد يُفسد زرعه، وثماره، ونحو ذلك من الأمور، وهذه أشياء لا تخفى آثارها عند كونها، ووقوعها، فإذا أصاب الرجل شيء منها، فذهب ماله، وافتقر، حلّت له المسألة، ووجب على الناس أن يُعطوه الصدقة من غير بيّنة، يطالبونه بها على ثبوت فقره، واستحقاقه إياها.
وأما النوع الآخر، فإنما هو فيمن كان له ملك ثابث، وعُرف له يسار ظاهر، فادَّعَى تَلَفَ ماله من لصّ طَرَقه، أو خيانة ممن أودعه، أو نحو ذلك من الأمور التي لا يبين لها أثرٌ ظاهر في المشاهدة والعيان، فإذا كان ذلك، ووقعت في أمره الرّيبة في النفوس لم يعط شيئًا من الصدقة إلا بعد استبراء حاله، والكشف عنه بالمسألة من أهل الاختصاص به، والمعرفة بشأنه، وذلك معنى قوله:"حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلانًا الفاقة"، واشتراطه الحجا تأكيد لهذا المعنى؛ أي لا يكونون من أهل الغباوة والغفلة، ممن يخفى عليهم بواطن الأمور، ومعانيها، وليس هذا من باب الشهادة، ولكن من باب التبيّن والتعرّف، وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه، أو جيرانه، أو من ذوي الخبرة بشانه: إنه صادق فيما يدّعيه، أُعطي الصدقة.