للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- أنه (قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعْطِينِي الْعَطَاءَ) أي بسبب عمله، كما سيأتي في الرواية الآتية (فَأَقُولُ: أَعْطِهِ) أي العطاء الذي تعطينه (أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي) أي شخصًا أحوج إليه مني (حَتى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خُذْهُ) أي ما أعطيته لك (وَمَا) موصولة؛ أي الذي (جَاءَكَ) وقوله: (مِنْ هَذَا الْمَالِ) بيان لـ "ما" (وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ) جملة في محلّ نصب على الحال من المفعول، و"المشرف": المتطلّع للشيء، وهو اسم فاعل من الإشراف -بالمعجمة- وهو التعرّض للشيء، والحرص عليه، من قولهم: أشرف على كذا: إذا تطاول له، وقيل للمكان المرتفع: شَرَفٌ؛ لذلك.

قال أبو داود: سألت أحمد عن إشراف النفس؟ فقال: بالقلب، وقال يعقوب بن محمد: سألت أحمد عنه؟ فقال: هو أن يقول مع نفسه: يبعث إليّ فلان بكذا، وقال الأثرم: يَضِيق عليه أن يردّه إذا كان كذلك، قاله في "الفتح" (١).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: إشراف النفس: تطلّعها، وتشوّفها، وشَرَهُهَا لأخذ المال، ولا شكّ أن هذه الأمور إذا كانت هي الباعثة على الأخذ للمال؛ كان ذلك من أدلّ دليل على شدّة الرغبة في الدنيا، والحبّ لها، وعدم الزهد فيها، والركون إليها، والتوسّع فيها، وكلّ ذلك أحوالٌ مذمومة، فنهاه عن الأخذ على هذه الحالة؛ اجتنابًا للمذموم، وقَمْعًا لدواعي النفس، ومخالفة لها في هواها، فإن لم يكن كذلك جاز له الأخذ للأمن من تلك العلل المذمومة.

قال الطحاويّ: وليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).


(١) "الفتح" ١٥/ ٥٤ في "كتاب الأحكام"، و ٤/ ١٠٠ في "الزكاة".
(٢) راجع: "المفهم" ٣/ ٩٠.