للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والماشيةُ ترتعِ منه شيئًا، فشيئًا، ولا تستكثر منه، فلا تَحْبَط بطونها عنه، قال: وقد ذكره طَرَفة، فبيّن أنه من نبات الصيف في قوله:

كَبَنَاتِ الْمَخْرِ يَمْأَدْنَ (١) إِذَا … أَنْبَتَ الصَّيْفُ عَسَالِيجَ (٢) الْخَضِرْ

فالْخَضِر من كلأ الصيف في القَيْظِ، وليس من أحرار بُقول الربيع، والنَّعَمُ لا تَسْتَوبله (٣)، ولا تحبط بُطونها عنه، قال: وبنات مَخْرٍ أيضًا، وهي سحائبُ يأتين قُبُلَ الصيف، قال: وأما الْخُضَارةُ، فهي من البقول الشِّتَويّة، وليست من الْجَنْبَة، فضرب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- آكلة الخضر مثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا، وجَمْعِها، ولا يُسرف في قَمّها (٤) والحرص عليها، وأنه ينجو من وَبَالها، كما نَجَت آكلة الْخَضِر، ألا تراه قال: فإنها إذا أصابت من الخضر، استقبلت عين الشمس، فثلطت، وبالت، وإذا ثلطت، فقد ذهب حَبَطُها، وإنما تَحْبَط الماشية إذا لم تَثلِطْ، ولم تَبُل، وأْتُطِمت (٥) عليها بطونها، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلا آكلة الخضر" معناه: لكن آكلة الخضر.

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا المال خَضِرَةٌ حُلْوَة" هاهنا الناعمة الْغَضّة، وحَثَّ على إعطاء المسكين، واليتيم منه، مع حلاوته، ورغبة الناس فيه؛ ليقيه الله تبارك وتعالى وَبَالَ نَعْمَتِها في دنياه وآخرته. انتهى كلام الأزهريّ رحمهُ اللهُ (٦).

(فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ) أي بأن اكتسبه من وجه حلال، وفي رواية مالك: "إن هذا المال خَضِرةٌ حُلْوَةٌ"، وفي رواية هلال: "وإن هذا المال خَضِرٌ حُلْوٌ"، ومعنى "خَضِرَةٌ" بفتح، فكسر: أي كبقلة خَضِرة في المنظر، ومعنى: "حُلْوَةٌ" بضمّ، فسكون: أي كفاكهة حُلْوة في الذَّوْق، فلكثرة ميل الطبع يأخذ الإنسان بكلّ وجه، فيؤدّيه ذلك إلى الوجه الذي لا ينبغي، فيهلك.


(١) مأد النبات، كمنع: اهتزّ، وتروّى، وجرى فيه الماء. قاموس.
(٢) جمع عُسْلُوج، قال في "القاموس: الْعُسْلُجُ، والْعُسْلُوج: ما لان، واخضرّ من الْقُضْبان. انتهى.
(٣) أي لا تشتهيه.
(٤) أي جمعها.
(٥) بالبناء للمفعول: أي انتفخت بطونها.
(٦) راجع: "لسان العرب" في مادّة (حبط).