للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمختار فيها أيضًا التخفيف. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: "الْحُديبية": موضع فيه ماءٌ، بينه وبين مكة أميال، وَصَلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليه، وهو محرمٌ بعمرة قبل فتح مكّة، فصدّه المشركون عن البيت، فصالحهم وشَرَطَ لهم وعليهم، ولم يدخل مكّة في تلك السنة ورجع إلى المدينة، فلما كان العام المقبل دخلها، وسيأتي تفصيل ذلك كلِّهِ - إن شاء الله تعالى -. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

وقال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: "الحديبية": بئر بقرب مكة على طريق جُدّة دون مرحلة، ثم أُطلق على الموضع، ويقال: بعضه في الحلّ وبعضه في الحرم، وهو أبعد أطراف الحرم عن البيت، ونَقَل الزمخشريّ عن الواقديّ أنها على تسعة أميال من المسجد، وقال أبو العباس أحمد الطبريّ في "كتاب دلائل القبلة": حَدُّ الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال، ومن طريق جُدَّة عشرة أميال، ومن طريق الطائف سبعة أميال، ومن طريق اليمن سبعة أميال، ومن طريق العراق سبعة أميال، قال في "الْمُحْكَم": فيها التثقيل والتخفيف، ولم أَرَ التثقيل لغيره، وأهلُ الحجاز يُخَفّفون، قال الطَّرْطُوشيّ في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح: ١]: هو صلح الحديبية، قال: وهي بالتخفيف، وقال أحمد بن يحيى: لا يجوز فيها غيره، وهذا هو المنقول عن الشافعيّ، وقال السُّهَيليّ: التخفيف أعرف عند أهل العربية، قال: وقال أبو جعفر النَّحَّاس: سألت كل مَن لَقِيتُ ممن أثق بعلمه من أهل العربية عن الحديبية، فلم يَخْتَلِفُوا عليّ في أنها مخففةٌ، ونَقَلَ البكريّ التخفيف عن الأصمعيّ أيضًا، وأشار بعضهم إلى أن التثقيل لم يُسْمَع من فصيح، ووجهه أن التثقيل لا يكون إلا في المنسوب، نحو "الإِسْكَندَرِيَّة"، فإنها منسوبة إلى الإِسْكَنْدَر، وأما "الحديبية"، فلا يُعْقَلُ فيها النسبة، وياءُ النَّسَب في غير منسوب قليلٌ، ومع قلّته فموقوف على السماع، والقياسُ أن يكون أَصلها حَدْبَاةَ بألف الإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغَرت انقلبت الألف ياء، وقيل: حُدَيْبِيَة، وَيشْهَد لصحة هذا قولهم: لُيَيْلِيَة بالتصغير، ولم يَرِدْ لها مُكَئر، فقدَّره الأئمة ليلاة؛ لأن المصغر فرع


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٦٠.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٥٨.