١٥ - (ومنها): أن اكتساب المال من غير حلّه، وكذا إمساكه عن إخراج الحقّ منه سبب لمحقه، فيصير غير مبارك، كما قال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}[البقرة: ٢٧٦]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فيما قاله العلماء في بيان التمثيل الذي ورد في هذا الحديث:
قال في "الفتح": يؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف؛ لأن الماشية إذا رَعَت الخَضِر للتغذية، إما أن تقتصر منه على الكفاية، وإما أن تستكثر، الأول الزهّاد، والثاني، إما أن يحتال على إخراج ما لو بقي لضرّ، فإذا أخرجه زال الضرّ، واستمرّ النفع، وإما أن يُهمل ذلك، الأول العاملون في جمع الدنيا بما يجب من إمساك وبذل، والثاني العاملون في ذلك بخلاف ذلك.
وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: يؤخذ منه أربعة أصناف:
فمن أكل منه أَكْلَ مُستَلِذّ، مُفرِط، منهمك، حتى تنتفخ أضلاعه، ولا يُقلع، فيسرع إليه الهلاك.
ومن أكل كذلك، لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم، فغلبه، فأهلكة.
ومن أكل كذلك، لكنه بادر إلى إزالة ما يضرّه، وتحيّل في دفعه، حتى انهضم، فيسلم.
ومن أكل غير مفرط، ولا منهمك، وإنما اقتصر على ما يسدّ جوعته، ويُمسك رَمَقَه.
فالأول: مثال الكافر، والثاني: مثال العاصي الغافل عن الإقلاع، والتوبة، إلا عند فواتها، والثالث: مثل للمخلّط المبادر للتوبة، حيث تكون مقبولة، والرابع: مثال الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، وبعضها لم يُصرَّح به في الحديث، وأخذُهُ منه مُحْتَمِل.
وقال الزين ابن الْمُنير رحمهُ اللهُ: في هذا الحديث وجوه من التشبيه بديعة: (أولها): تشبيه المال، ونموّه بالنبات وظهوره.