للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولكنّه ليس أنصاريًّا، إلا بالمعنى الأعمّ (١).

(سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي شيئًا من المال (فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ) بتكرير السؤال، والإعطاء مرّتين (حَتَّى إِذَا نَفِدَ) بكسر الفاء، وإهمال الدال، من باب تَعِبَ، نَفَادًا: أي فَنِيَ، وانقطع (مَا عِنْدَهُ) "ما" موصولة مفعول "نَفِدَ" (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ) "ما" هنا شرطيّة، ولذا جُزم الفعل بعدها، وهي مبتدأ، وجوابها، وهو الخبر قوله: "فلن أدّخره"؛ أي كلّ شيء، من مال، موجوب عندي (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) بتشديد الدال المهملة، بعدها خاء معجمة؛ أي فلن أحبسه، وأخبأه، وأمنعكم إياه منفردًا به عنكم، أو لن أجعله ذخيرةً لغيركم، مُعْرِضًا عنكم.

وقال في "العمدة": والفصيح فيه -يعني في "أدّخره"- إهمال الدال، وجاء بإعجامها، مُدْغَمًا، وغير مدغم، لكن تقلب التاء دالًا مهملة، ففيه ثلاث لغات، ويقال: معناه لن أحبسه عنكم. انتهى (٢).

(وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) "من" هنا شرطيّة، ولذا جُزم الفعلان بعدها، و"يستعفف" بفاءين، وكذا عند البخاريّ في رواية الكشميهنيّ، ووقع عند البخاريّ في رواية الحمويّ، والمستملي "يَسْتَعِفّ" بفاء واحدة مشدّدة.

والمعنى: من يَطلُبْ من نفسه العفّة عن السؤال، قال الطيبيّ: أو يطلب العفّة من الله تعالى، فليست السين لمجرّد التأكيد، وقال الجزريّ: الاستعفاف طلب العَفَاف، والتعفّف، وهو الكفّ من الحرام، والسؤال من الناس؛ أي مَن طَلَب العفّة، وتكلّفها أعطاه الله إياها، وقيل: الاستعفاف الصبر، والنزاهة عن الشيء، يقال: عَفّ يعِفّ عِفّةً، فهو عفيف. انتهى.

(يُعِفَّهُ اللهُ) بضمّ التحتانيّة، وكسر المهملة، وتشديد الفاء المفتوحة للتخلّص من التقاء الساكنين؛ إذ هو مجزوم على أنه جواب الشرط، ويجوز ضم فائه إتباعًا لضم الهاء.

والمعنى: يرزقه الله تعالى العفّة؛ أي الكفّ عن السؤال والحرام، وقال القاري: يعفّه الله: أي يجعله عفيفًا، من الإعفاف، وهو إعطاء العفّة، وهي


(١) راجع: "الفتح" ٤/ ٩٨.
(٢) "عمدة القاري" ٩/ ٤٩.