للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحفظ عن المناهي؛ يعني أن مَن قنع بأدنى قوت، وترك السؤال تَسهُل عليه القناعة، وهي كنز لا يفنى. انتهى.

وقال ابن التين: معناه إما أن يرزقه من المال ما يستغني به عن السؤال، وإما أن يرزقه القناعة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: "ومن يستعفف" أي عن السؤال للخلق، "يُعفّه الله" أي يُجازه على استعفافه بصيانة وجهه، ورفع فاقته. انتهى (٢).

(وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ) أي من يَستغن بالله تعالى عمن سواه، أو يُظهِر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس، والتعفّف عن السؤال، حتى يخبسه الجاهل بحاله غنيًّا من التعفّف، يرزقه الله غنى القلب، كما في الحديث الماضي: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النفس"، ولو حُمل على غنى المال لما بَعُد؛ أي يعطيه الله تعالى ما يُغنيه عن سؤال الناس، والله تعالى أعلم.

(وَمَنْ يَصْبِرْ) "من" شرطيّة أيضًا كسابقتها، و"يصبر" بفتح الياء، وكسر الباء ثلاثيًّا، من باب ضرب، وفي رواية: "يتصبّر" بفتح الفوقيّة، وتشديد الموحّدة المفتوحة: أي يعالج الصبر على ضيق العيش وغيره، من مكاره الدنيا.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: "ومن يتصبّر" أي يستعمل الصبر، "يُصبّره" أي يقوّه، ويُمكّنه من نفسه حتى تنقاد له، وتُذعن لتحمّل الشدائد، وعند ذلك يكون الله معه، فيُظفّره بمطلوبه، ويوصله إلى مرغوبه. انتهى (٣).

وقال السنديّ: أي يتكلّف في تحمّل مشاقّ الصبر، وفي التعبير بباب التكلّف إشارة إلى أنّ مَلَكَة الصبر تحتاج في الحصول إلى الاعتبار، وتحمّل المشاقّ من الإنسان.

وقال القاري: أي يَطْلُب توفيق الصبر من الله تعالى؛ لأنه تعالى قال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧]، أو يأمر نفسه بالصبر، ويتكلّف في


(١) راجع: "المرعاة" ٦/ ٢٦٢.
(٢) "المفهم" ٣/ ٩٩.
(٣) "المفهم" ٣/ ٩٩.