التحمّل عن مشاقّه، وهو تعميم بعد تخصيص؛ لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة، والمعصية، والبليّة، أو من يتصبّر عن السؤال، والتطلّع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرعّ مرارة ذلك، ولا يشكو حاله لغير ربّه (يُصَبِّرْهُ اللهُ) - بضمّ أوّله، وتشديد الموحّدة المكسورة- من التصبير: أي يُسَهِّل عليه الصبر، فتكون الجمل مؤكّدات، ويؤيّد إرادة معنى العموم قوله:"وما أعطي أحد إلخ"، وقال الباجيّ: معناه من يتصدّ للصبر، ويؤثره يعينه الله تعالى عليه، ويوفّقه. انتهى.
(وَمَا أُعْطِيَ)"ما" هنا نافية، والفعل مبنيّ للمفعول، و (أَحَدٌ) نائب فاعله، وهو المفعول الأول (مِنْ عَطَاءٍ)"من" زائدة، و"عطاء" هو المفعول الثاني، وقوله:(خَيْرٌ) هكذا هو في جميع نسخ "صحيح مسلم" بالرفع، وهو صحيح، وتقديره: هو خير، كما هو عند النسائيّ: ولفظه: "وما أُعطي أحد عطاءً، هو خير … إلخ"؛ أي أفضل، والجملة في محلّ نصب صفة لـ"عطاء"، وفي رواية البخاريّ "خيرًا" بالنصب، وإسقاط لفظ "هو"، فيكون صفة و"عطاءً" أيضًا.
وقوله:(وَأَوْسَعُ) بالرفع عطفًا على "خيرٌ"، وقوله:(مِنَ الصَّبْرِ) تنازعاه "خير"، و"أوسع"، ثم إن الكلام على تقدير "مِنْ": أي الصبرُ من أفضل ما يعطاه أحد، وأوسعه؛ لأن الإيمان أفضل الجميع، حيث إنه لا اعتداد بالصبر وغيره إلا بالايمان، أو يقدّر "هو خير، وأوسع بعد الإيمان"، والله تعالى أعلم.
قال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: يريد أن من طلب من نفسه العفّة عن السؤال، ولم يُظهر الاستغناء يعفّه الله؛ أي يصيّره عفيفًا، ومن ترقّى عن هذه المرتبة إلى ما هو أعلى، من إظهار الاستغناء عن الخلق، لكن إذا أُعطي شيئًا لم يردّه، يملأ الله تعالى قلبه غنى، ومن فاز بالقَدَح المعَلَّى، وتصبّر، ولم يسأل، وإن أُعطي لم يقبل، فهذا هو الصبر الجامع لمكارم الأخلاق. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "وإن أُعطِي لم يقبل" فيه نظر؛ إذ فيه مخالفة أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف،