للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨)} [الشورى: ٢٨]. انتهى (١).

(وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا) أي بطلوع نجم، وسقوط آخر، وفي حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عند النسائيّ: "مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْمِجْدَح" بكسر الميم، وسكون الجيم، وفتح الدال بعدها مهملة، ويقال: بضم أوله، هو الدَّبَرَانُ، بفتح المهملة والموحدةِ بعدها، وقيل: سُمِّي بذلك لاستدباره الثُّرَيَّا، وهو نجم أحمر صغير مُنِير، قال ابن قتيبة: كُلُّ النجوم المذكورة له نَوْءٌ، غير أن بعضها أحمر وأغزر من بعض، ونَوْءُ الدَّبَرَان غير محمود عندهم. انتهى.

وكأن ذلك وَرَدَ في الحديث تنبيهًا على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء، ولو لم يكن محمودًا، أو اتَّفَقَ وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت، إن كانت القصة واحدةً.

وفي "مغازي الواقدي": إن الذي قال في ذلك الوقت: "مُطِرنا بنوء الشِّعْرَى" هو عبد الله بن أبيّ، المعروف بابن سَلُولَ، أخرجه من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، قاله في "الفتح" (٢).

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: "النَّوْءُ" في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدرُ نَاءَ النجمُ يَنُوءُ نَوْءًا: أي سَقَطَ وغاب، وقيل: أي نَهَضَ وطَلَعَ، وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجمًا معروفةَ المطالع في أزمنة السنة كُلِّها، وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين، يَسقُط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجمٌ في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، وكان أهلُ الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما، وقال الأصمعيّ: إلى الطالع منهما، قال أبو عبيد: ولم أسمع أَحدًا ينسب النوء للسقوط إلا في هذا الموضع، ثم إن النجم نفسه قد يُسَمَّى نَوْءًا تسميةً للفاعل بالمصدر، قال أبو إسحاق الزجاج في بعض "أماليه": الساقطة في الغرب هي الأنواء، والطالعة في المشرق هي البوارح، والله تعالى أعلم. انتهى كلام ابن الصلاح (٣).


(١) "المفهم" ١/ ٢٦٠.
(٢) "الفتح" ٢/ ٦٧٦.
(٣) "الصيانة" ص ٢٥٠ - ٢٥١.