للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واخترعه، ثم تكلّم بذلك القول، فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين:

[أحدهما]: أنه خالف الشرع، فإنه قد حذّر من ذلك الإطلاق.

[ثانيهما]: أنه قد تشبّه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز؛ لأنا قد أُمرنا بمخالفتهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين" (١)، وقال: "خالفوا اليهود" (٢)، ونُهينا عن التشبّه بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال، والأقوال على ما يأتي - إن شاء الله تعالى -، ولأن الله تعالى قد منعنا من التشبّه بهم في النطق بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: ١٠٤] لَمّا كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، يقصدون ترعينه، منعنا الله تعالى من إطلاقها، وقولها للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإن قصدنا بها الخير سدًّا للذريعة ومنعًا من التشبّه بهم، فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يُريد به الإخبارَ عمّا أجرى الله تعالى به سنّته جاز، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نشأت بحريّة، ثم تشاءمت، فتلك عينٌ غُدَيقةٌ" (٣). انتهى كلام القرطبيّ (٤)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وسيأتي البحث فيه مستوفىً في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.

(فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا) بالبناء للمفعول، أي نزل علينا المطر، يقال: مَطَرَتِ السماءُ تَمْطُرُ مَطَرًا من باب طَلَبَ، فهي ماطرةٌ في الرحمة، وأمطرت بالألف أيضًا لغة، قال الأزهريّ: يقال: نبتَ الْبَقْلُ وأنبت، كما يقال: مَطَرَت السماءُ وأمطرت، وأمطرت بالألف لا غيرُ في العذاب، ثم سُمّي القَطْرُ بالمصدر وجمعه أمطارٌ، مثلُ سَبَبٍ وأسبابٍ، قاله الفيّوميّ (٥) (بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِه، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: أي مصدّق بأن المطر خَلْقي لا خَلْقُ الكوكب، أرحم به عبادي وأتفضّل عليهم به،


(١) أخرجه البخاريّ (٥٨٩٢)، والمصنّف (٢٥٩) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٢) حديث صحيحٌ، أخرجه أبو داود (٦٥٢) من حديث شدّاد بن أوس - رضي الله عنه -.
(٣) قال الحافظ الهيثميّ رحمه الله تعالى: رواه الطبرانيّ في "الأوسط"، وقال: تفرّد به الواقديّ، قلت: وفي الواقديّ كلام، وقد وثّقه غير واحد، وبقيّة رجاله لا بأس بهم، وقد وُثّقوا. انتهى. "مجمع الزوائد" ٢/ ٢١٧.
(٤) "المفهم" ١/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٥) "المصباح المنير" ٢/ ٥٧٥.