للمفعول، يقال: أكبّ الرجلُ يُكبّ، لازم، وكبّه الله يكبّه، من نصر، متعدّ، وهو بناء غريب، جاء على خلاف العادة؛ إذ هي أن يكون الثلاثيّ لازمًا، والرباعيّ متعدّيًا، وهنا بالعكس، فالثلاثيّ متعدّ، والرباعيّ لازم، وقد قدّمنا تمام البحث فيه في "كتاب الإيمان" فارجع إليه.
(فِي النَّارِ) متعلّق بـ "يُكبّ"، وكذا قوله: (عَلَى وَجْهِهِ") قال العينيّ رَحمه اللهُ: "خشية" مضاف إلى ما بعده، "وأن" مصدريّة، والتقدير: لأجل خشية كبّ الله إياه في النار.
قال النوويّ رحمه اللهُ: معنى هذا الحديث أن سعدًا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي ناسًا، ويترك من هو أفضل منهم في الدين، وظَنَّ أن العطاء يكون بحسب الفضائل في الدين، وظنّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم حال هذا الإنسان المتروك، فأعلمه به، وحَلَف أنه يعلمه مؤمنًا، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمًا"، فلم يَفْهَم منه النهي عن الشفاعة فيه مرّة أخرى، فسكت، ثم رآه يعطي من هو دونه بكثير، فغلبه ما يَعْلَم من حسن حال ذلك الإنسان، فقال: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ تذكيرًا، وجَوَّز أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هَمَّ بعطائه من المرة الأولى، ثم نسيه، فأراد تذكيره، وهكذا المرة الثالثة، إلى أن أعلمه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن العطاء ليس هو على حسب الفضائل في الدين، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعطي الرجلَ، وغيره أحبّ إليّ منه؛ مخافةَ أن يَكُبّه الله في النار"، معناه أني أعطي ناسًا مؤلفة في إيمانهم ضعف، لو لم أعطهم كفروا، فيكبَّهم الله في النار، وأترك أقوامًا هم أحبّ إلي من الذين أعطيتهم، ولا أتركهم احتقارًا لهم، ولا لنقص دينهم، ولا إهمالًا لجانبهم، بل أَكِلُهم إلى ما جعل الله في قلوبهم من النور، والإيمان التامّ، وأَثِقُ بأنهم، لا يتزلزل إيمانهم؛ لكماله، وقد ثبت هذا المعنى في "صحيح البخاريّ" عن عمرو بن تغلب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بمال، أو سبي، فقسمه، فأعطى رجالًا، وترك رجالًا، فبلغة أن الذين ترك عَتَبُوا، فحمد الله تعالى، ثم أثنى عليه، ثم قال: "أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل، وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليّ من الذي أُعطي، ولكني أعطي أقوامًا لِمَا أرى في قلوبهم من الجزَع والهَلَع، وأكِل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب"، فوالله ما أُحِبّ أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -