للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يَمْرُقُونَ) من باب قعد (من الْإِسْلَامِ) أي يخرجون منه، وفي الرواية التالية: "يمرقون من الدين"، قال في "الفتح": وفي قوله: "من الإسلام" رَدٌّ على من أَوَّلَ الدين هنا بالطاعة، وقال: إن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام، كما يخرج السهم من الرَّمِيّة، وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يُطيعون الخلفاء، والذي يظهر أن المراد بالدين الإسلام، كما فسرته الرواية الأخرى، وخرج الكلام مخرج الزجر، وأنهم بفعلهم ذلك يخرجون من الإسلام الكامل. انتهى (١).

(كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ) أي يخرجون من الإسلام خروجَ السهم إذا نَفَذَ من الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق بالسهم من دمه شيءٌ، وبهذا سُمِّيت الخوارج: الْمُرَّاق.

و"الرمِيَّة" بفتح الراء، على وزن فَعِيلة، من الرمي، بمعنى مفعولة، فقال الداوديّ: الرّمِيّة: الصيد المرميّ، وهذا الذي ذكره صفات الخوارج الذين لا يدينون للأئمة، ويخرجون عليهم.

(لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ") أي قتلًا عامًّا، مستأصلًا، كما قال تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (٨)} [الحاقة: ٨]، وفي الرواية التالية: "قتل ثمود". قال القرطبيّ رحمه الله: ووجه الجمع أن يكون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال كليهما، فذكر أحد الرواة أحدهما، وذكر الآخرُ الآخرَ، ومعنى هذا أنه كان يقتلهم قتلًا عامًّا، بحيث لا يُبقِي منهم أحدًا في وقت واحد، لا يؤخّر قتل بعضهم عن بعضٍ، ولا يُقيل أحدًا منهم، كما فَعَل الله بعاد، حيث أهلكهم بالريح العقيم، وبثمود، حيث أهلكهم بالصَّيْحَة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": وقد استُشكل قوله: "لئن أدركتهم لأقتلنّهم" مع أنه نهى خالدًا عن قتل أصلهم.

وأجيب بأنه أراد إدراك خروجهم، واعتراضهم على المسلمين بالسيف، ولم يكن ظهر ذلك في زمانه صلّى الله عليه وسلم، وأوّل ما ظهر في زمان


(١) "الفتح" ٩/ ٤٩١.
(٢) المفهم ٣/ ١١٣.