للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والباقيان ذُكرا في الباب.

وقوله: (فِي فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ) هنا بضمّ الفاء بلا خلاف: أي افتراق منهم.

وقوله: (سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: "السيما": العلامة، وفيها ثلاث لغات: القصر، وهو الأفصح، وبه جاء القرآن، والمدُّ، والثالثة السِّيمياء، بزيادة ياء مع المدّ لا غير، والمراد بالتحالق: حلق الرؤوس، وفي الرواية الأخرى: التّحَلُّق.

واستَدَلّ به بعض الناس على كراهة حلق الرأس، ولا دلالة فيه، وإنما هو علامة لهم، والعلامة قد تكون بحرام، وقد تكون بمباح، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثَدْيِ المرأة"، ومعلوم أن هذا ليس بحرام، وقد ثبت في "سنن أبي داود" بإسناد على شرط البخاريّ ومسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى صبيًّا قد حُلِق بعض رأسه، فقال: "احْلِقُوه كلَّه، أو اتركوه كلَّه"، وهذا صريح في إباحة حلق الرأس، لا يحتمل تأويلًا.

قال أصحابنا: حلق الرأس جائز بكل حال، لكن إن شق عليه تعهُّده بالدَّهْن والتسريح استُحِبّ حلقه، وإن لم يَشُقّ استُحِبّ تركه. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقوله: (هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ، أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ) هكذا هو في كل النسخ: "أو من أشرّ" بالألف، وهي لغة قليلة، والمشهور "شَرّ" بغير ألف، كما قال ابن مالك في "الكافية":

وَغَالِبًا أَغْنَاهُمُ خَيْرٌ وَشَرْ … عَنْ قَوْلِهِمْ أَخْيَرُ مِنْهُ وَأَشَرْ

وفي هذا اللفظ دلالة لمن قال بتكفيرهم، وتأوله الجمهور: أي شرّ المسلمين، ونحو ذلك، قاله النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ظواهر النصوص تدلّ لمن قال بتكفيرهم دلالةً واضحةً، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

وقال البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ: "وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١٦٧.