(عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) نُسيبة، بضمّ النون مصغّرًا، ويقال: بفتحها بنت كعب، أو بنت الحارث -رضي الله عنها- أنها (قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ) ببناء الفعل للفاعل، والفاعل قوله:(رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثْتُ إِلَى عَائِشَةَ مِنْهَا بِشيْءٍ) أي بعض لحمها (فَلَمَا جَاءَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إِلَى عَائِشَةَ، قَالَ:"هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ ") أي من الطعام (قَالَتْ) عائشة -رضي الله عنه- (لَا) أي ليس عندنا شيء من الطعام (إِلَّا أَن نُسَيْبَةَ بَعَثَتْ إِلَيْنَا مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتُمْ) هكذا معظم النسخ، وفي بعضها:"بَعَثتَ" بإفراد المخاطب؛ أي بعثت بها أنت (بِهَا) أي بتلك الشاة (إِلَيْهَا) أي إلى نُسيبة (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا") - بكسر المهملة- يقع على المكان، والزمان؛ أي زال عنها حكم الصدقة المحزَمة عليّ وصارت لي حلالًا.
وقال في "الفتح": أي إنها لَمّا تصرفت فيها بالهدية لصحة ملكها لها انتقلت عن حكم الصدقة، فَحَلَّت مَحَلّ الهديّة، وكانت تَحِل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلاف الصدقة، وهذا تقرير ابن بطال بعد أن ضَبَط مَحَلّها بفتح الحاء، وضبطه بعضهم بكسرها، من الحلول: أي بلغت مُسْتَقَرَّها، والأول أولى، وعليه عَوَّل البخاريّ في الترجمة؛ أي حيث قال:"بابٌ إذا تحوَّلت الصدقة". انتهى (١).
وقال ابن بطال رحمه الله: إنما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لا يأكل الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، ولأن أخذ الصدقة منزلة ضَعَة، والأنبياء منزهون عن ذلك؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان كما وصفه الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} [الضحى: ٨]، والصدقة لا تحل للأغنياء، وهذا بخلاف الهدية، فإن العادة جارية بالإثابة عليها، وكذلك كان شأنه - صلى الله عليه وسلم-. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أمّ عطيّ -رضي الله عنه- هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
(١) "الفتح" ٤/ ٣٤٩ - ٣٥٠ كتاب "الزكاة" رقم (١٤٩٤).