وفي رواية للبخاريّ:"فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
واختلف العلماء في معنى "فاقدروا له"، فقالت طائفة من العلماء: معناه ضَيِّقُوا له، وقدِّروه تحت السحاب، وممن قال بهذا أحمد بن حنبل، وغيره، ممن يُجَوِّز صوم يوم ليلة الغيم من رمضان، كما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وقال ابن سُرَيج وجماعة، منهم مطرف بن عبد الله، وابن قتيبة، وآخرون: معناه: قَدِّروه بحساب المنازل، وذهب مالك، والشافعىّ، وأبو حنيفة، وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه: قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا.
واحتَجَّ الجمهور بالروايات المذكورة:"فأكملوا العدة ثلاثين"، وهو تفسير لـ"اقدروا له"، ولهذا لم يجتمعا في رواية، بل تارة يُذْكَر هذا، وتارة يُذْكَر هذا، وتؤكده الرواية السابقة بلفظ:"فاقدروا له ثلاثين".
قال المازريّ رحمه اللهُ: حَمَلَ جمهور الفقهاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقدروا له" على أن المراد إكمال العدة ثلاثين، كما فَسَّره في حديث آخر، قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد حسابَ المنجمين؛ لأن الناس لو كُلِّفُوا به ضاق عليهم؛ لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يُعَرِّف الناس بما يَعْرِفه جماهيرهم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه الجمهور هو الحق، وأما القولان الآخران فضعيفان، كما سنحقّقه قريبًا -إن شاء الله تعالى-.
[تنبيه]: قال في "الفتح": وأما حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، فاتفق الرواة عن مالك، عن نافع، فيه على قوله:"فاقدروا له"، وجاء من وجه آخر عن نافع، بلفظ:"فاقدروا ثلاثين"، كذلك أخرجه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، وهكذا أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، قال عبد الرزاق: وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رَوّاد، عن نافع به، وقال:"فَعُدُّوا ثلاثين".
واتفَقَ الرواة عن مالك، عن عبد الله بن دينار أيضًا فيه على قوله:"فاقدروا له"، وكذلك رواه الزعفرانيّ وغيره عن الشافعيّ، وكذا رواه إسحاق