روايات حديث أبي هريرة بعبارة متناولة لهما، ففي رواية لمسلم:"فعدّوا ثلاثين"، وفي رواية له:"فأكملوا العدد".
ومن العجيب اعتراض بعض الحنابلة على رواية البخاريّ بأن الإسماعيليّ قد أخرجها في "مستخرجه" من رواية غندر، عن شعبة بلفظ:"فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين"، ثم عدّ جماعة رووه عن شعبة كذلك، ثم قال هذا الحنبليّ: وهذا يجوز أن يكون من آدم بن أبي إياس رواه على التفسير من عنده للخبر. انتهى.
وغايته أن رواية البخاريّ خاصّة، والرواية التي حكاها عن غيره عامّة، تتناول شعبان ورمضان، فلا معنى لحملها على رمضان، لا سيما، وهم يؤولون قوله:"فاقدروا له" كما سيأتي بيانه، ويَحْمِلونه على تقدير الهلال تحت السحاب، وذلك يدلّ على أن المراد شعبان، وهذا يدلّ على مخالفة كلام هذا الحنبليّ لكلام أئمته، ولا جائز أن يُحمَل الشرط في قوله:"فإن غمّ عليكم" على صورة، والجزاء، وهو قوله:"فعدوا ثلاثين" على صورة غيرها.
ولقد أنصف الإمام شمس الدين محمد بن عبد الهادي، وهو من أعيان متأخري الحنابلة، فقال في "تنقيح التحقيق": الذي دلت عليه أحاديث هذه المسألة، وهو مقتضى القواعد أن أيّ شهر غُمّ أُكمِلَ ثلاثين، سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما، وعلى هذا فقوله:"فإن غمّ عليكم، فأكملوا العدّة" يرجع إلى الجملتين، وهما قوله:"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم، فأكملوا العدّة"؛ أي غُمّ عليكم في صومكم وفطركم، هذا هو الظاهر من اللفظ، وباقي الأحاديث يدلّ عليه.
قال: وما ذكره الإسماعيليّ غير قادح في صحّة الحديث؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكون قال اللفظين، وهذا مقتضى ظاهر الرواية، وإما أن يكون قال أحدهما، وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى، فإن الأمرين في قوله:"فأكملوا العدة" للشهرين. انتهى (١).
(١) ونقل في "الفتح" كلام ابن عبد الهادي المذكور، وقال في آخره ما نصّه: وبقية الأحاديث تدل عليه، فاللام في قوله "فأكملوا العدة" للشهر؛ أي عِدَّة الشهر، =