للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإن كان يوم الثلاثين من رمضان لم يفطروا، وسواء كان ذلك قبل الزوال، أو بعده، هذا هو المشهور في المذاهب الأربعة، وحُكي عن عمر، وابن مسعود، وابن عمر، وأنس، والأوزاعيّ، والليث بن سعد، وإسحاق ابن راهويه، وذهب سفيان الثوريّ، وأبو يوسف، وبعض المالكيّة إلى أنه إن رئي قبل الزوال فهو للّيلة الماضية، وهو رواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم الظاهريّ، قاله وليّ الدين رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول الذي عليه الجمهور هو الأقرب عندي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقدروا له":

اختلفوا في المراد به على مذاهب:

(الأول): مذهب الجمهور، قالوا: معناه: قدّروا له تمام العدد ثلاثين يومًا؛ أي انظروا في أول الشهر، واحسبوا تمام ثلاثين يومًا.

قال الحافظ وليّ الدين رحمه اللهُ -بعد أن بيّن اختلاف الروايات في حديث ابن عمر هذا، ففي رواية: "فاقدروا له"، وفي رواية: "فاقدروا ثلاثين"، وفي رواية: "فأكملوا العدّة ثلاثين"، وفي رواية: "فعدّوا ثلاثين" -ما حاصله: والروايات يفسّر بعضها بعضًا، والحديث إذا جُمعت طرقه تبيّن المراد منه، وقد دلّ على ذلك أيضًا ما رواه البخاريّ من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، مرفوعًا: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم، فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين"، رواه مسلم من حديث سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "فصوموا ثلاثين يومًا"، وليس ذلك اضطرابًا في الخبر؛ لأنا مأمورون بذلك في الصوم والفطر، وقد ذكر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صورة الغمّ علينا بعد قوله: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه"، فعاد إلى الصورتين معًا؛ أي فإن غمّ عليكم في صومكم، أو فطركم، فذكر في إحدى الروايتين إحدى الصورتين، وفي الأخرى الصورة الأخرى، وأتى في بعض


(١) المصدر السابق.