للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذهب أكثر الحنابلة، وإلى الثاني ذهب الجمهور، فقالوا: المراد بقوله: "فاقدروا له": أي انظروا في أول الشهر، واحسُبُوا تمام الثلاثين، ويرجح هذا التأويل الرواياتُ الأُخَرُ المصرحة بالمراد، وهي ما تقدم من قوله: "فأكملوا العدة ثلاثين"، ونحوها، وأولى ما فُسِّر الحديث بالحديث. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه الجمهور هو الصواب، كما رجحه الحافظ رحمه اللهُ، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة التالية -إن شاء الله تعالى-.

٧ - (ومنها): أنه يدلّ على وجوب الصوم على المنفرد برؤية هلال رمضان، وعلى وجوب الإفطار عليه أيضًا برؤية هلال شوّال، وإن لم يثبت ذلك بقوله، وهو قول الأئمة الأربعة في هلال رمضان، واختلفوا في الإفطار برؤية شوّال وحده، فقال الثلاثة: لا يفطر، بل يستمرّ صائمًا؛ احتياطًا للصوم، وقال الشافعيّ: يلزمه الفطر، ولكن يخفيه؛ لئلا يُتّهم، وهو مقتضى قوله: "ولا تفطروا حتى تروه"، وذهب عطاء بن أبي رباح، وإسحاق ابن راهويه إلى أنه لا يصوم برؤيته وحده، وعن أحمد أنه لا يصوم إلا في جماعة الناس، وروي نحوه عن الحسن، وابن سيرين، قاله وليّ الدين رحمه اللهُ (٢).

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ عند قوله: "صوموا لرؤيته إلخ" ما نصّه: يقتضي لزوم حكم الصوم والفطر لمن صحّت له الرؤية، سواء شُورك في رؤيته، أو انفرد بها، وهو مذهب الجمهور. وذهب عطاء، وإسحاق إلى أنه لا يلزمه حكم شيء من ذلك إذا انفرد بالرؤية، وهذا الحديث ردّ عليهما. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الذي ذهب إليه الجمهور، من وجوب الصوم والإفطار على من رأى الهلال وحده هو الحقّ؛ لصريح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، وقد تحقّقت رؤيته، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

٨ - (ومنها): أن الحديث يتناول رؤية الهلال ليلًا ونهارًا، لكنه إذا رئي نهارًا فهو للّيلة المستقبلة، فإن كان ذلك يوم الثلاثين من شعبان لم يصوموا،


(١) "الفتح" ٥/ ٢٤١.
(٢) انظر: "طرح التثريب" ٤/ ١١٧.
(٣) "المفهم" ٣/ ١٣٨ - ١٣٩.