للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بلا سبب، فمنعه الشافعية، وقالوا بتحريمه، فإن صامه فالأصحّ عندهم بطلانه، والمشهور عند المالكية جوازه، وقال محمد بن مسلمة بكراهته. وكره الحنفيّة صومه عن واجب آخر، ولم يكرهوا التطوّع بصومه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الصواب عدم مشروعية صومه مطلقًا، قضاءً، أو غير ذلك، إلا من وافق وِرْده، فإنه يصحّ أن يصومه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم، والله تعالى أعلم.

قال وليّ الدين رحمه اللهُ: ثم إن ذلك كله مفروض في يوم الشكّ، لا في مطلق الثلاثين من شعبان. قال أصحابنا -يعني الشافعية-: ويوم الشكّ يوم الثلاثين من شعبان إذا تُحُدِّث برؤيته، أو شهد بها من لا تثبت بقوله، فإن لم يَتَحدّث برؤيته أحد فليس يوم شكّ، ولو كانت السماء مغيمة، وقال المالكيّة: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مغيمة. انتهى (١).

٤ - (ومنها): بيان أن النهي عن صوم يوم الشكّ؛ لعدم رؤية الهلال، وقد أخرج أبو داود والترمذيّ، والنسائىّ، وصحّحه ابن خزيمة عن عمّار بن ياسر - رضي الله عنهما - قال: "من صام يوم الشكّ، فقد عَصَى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ".

٥ - (ومنها): أن قوله: "حتى تروا الهلال" فيه إيجاب الصوم حين الرؤية متى وُجِدت ليلًا أو نهارًا، لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل، وبعض العلماء فَرَّق بين ما قبل الزوال وبعده، وخالف الشيعة الإجماع، فأوجبوه مطلقًا، قاله في "الفتح" (٢).

٦ - (ومنها): أن الحديث ظاهر في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم، وغيرها، قال في "الفتح": ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة -يعني قوله: "لا تصوموا حتى تروا الهلال"- لكفى ذلك لمن تمسك به، لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة، وهو قوله: "فإن غُمّ عليكم، فاقدروا له"، فاحتَمَلَ أن يكون المراد التفرقةَ بين حكم الصحو والغيم، فيكون التعليق على الرؤية متعلقًا بالصحو، وأما الغيم فله حكم آخر، ويَحْتَمِل أن لا تفرقةَ، ويكون الثاني مؤكِّدًا للأول، وإلى الأول


(١) "طرح التثريب" ٤/ ١١٤.
(٢) "الفتح" ٥/ ٢٤١.