شاهد لرواية مالك وغيره. وروى أبو داود، والنسائيّ عن حذيفة - رضي الله عنه -، مرفوعًا:"لا تقدّموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدّة، ثم صوموا حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة"، وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله عنهما -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحفّظ من شعبان ما لا يتحفّظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غمّ عليه عَدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام".
وقد رُويَ هذا المعنى، وهو إكمال العدّة ثلاثين يومًا عند الغمّ علينا من حديث جابر، وأبي بكرة، وعمر بن الخطاب، ورافع بن خَدِيج، وعليّ بن أبي طالب، وطلق بن عليّ، والبراء بن عازب - رضي الله عنهم -، وقد جمع ذلك الحافظ العراقيّ رحمه اللهُ في "شرح الترمذيّ"، قال ابن عبد البرّ: ولم يرو أحد فيما علمت "فاقدروا له" إلا ابن عمر وحده، والله تعالى أعلم.
(المذهب الثاني): مذهب من قال: إن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقدروا له": ضيّقوا له، وقَدِّرُوه تحت السحاب، ومن قال بهذا أوجب الصيام من الغد ليلة الثلاثين من شعبان إن كان في محلّ الهلال ما يمنع رؤيته، من غيم وغيره.
وهذا مذهب ابن عمر - رضي الله عنهما - راوي هذا الحديث، ففي "سنن أبي داود": فكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعًا وعشرين نُظِرَ له، فإن رأى فذاك، وإن لم ير، ولم يَحُلْ دونه منظره سحاب، أو قَتَرَة، أصبح مفطرًا، وإن حال دون منظره سحاب، أو قترة أصبح صائمًا، قال: وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب.
قال الخطّابيّ: يريد أنه كان يفعل هذا الصنيع في شهر شعبان احتياطًا للصوم، ولا يأخذ بهذا الحساب في شهر رمضان، ولا يفطر إلا مع الناس.
قال وليّ الدين: وكأن الراوي أشار بذلك إلى النقض على ابن عمر في كونه قال بما يقتضي حمل التقديرين على التضييق، وتقديره تحت السحاب في إحدى الصورتين، دون الأخرى، ولو اختلف حكمهما لبَيَّنَه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفصل بينهما، وقد نبّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على التسوية بينهما بنهيه عن صوم يوم الشكّ، وقد تبع ابنَ عمر على هذا المذهب أحمدُ بن حنبل في المشهور عنه.
قال ابن الجوزيّ رحمه الله في تصنيف له سمّاه "دَرْء اللَّوْم والضَّيْم في صوم يوم الغيم": وهذا مرويّ عن الصحابة، عن عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي