(إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ") أي إلا رجل اعتاد صوم يوم بعينه، فاتّفق ذلك اليوم مع آخر شعبان، فليصمه على عادته.
وفي رواية البخاريّ: "إلا أن يكون رجلٌ يصوم صومًا، فليصم ذلك اليوم".
وقوله: "إلا أن يكون رجلٌ" "كان" تامّةٌ؛ أي إلا أن يوجد رجل، وقوله: "يصوم صومًا"، وفي رواية الكشميهنيّ: "صومه، فليصم ذلك اليوم"، وفي رواية معمر، عن يحيى عند أحمد: "إلا رجل كان يصوم صيامًا، فيأتي ذلك على صيامه"، ونحوه لأبي عوانة من طريق أيوب، عن يحيى، وفي رواية أحمد، عن رَوْح: "إلا رجل كان يصوم صيامًا فَلْيَصِلْهُ به"، وللترمذيّ، وأحمد، من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: "إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم".
قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان، قال الترمذيّ رحمه الله بعد أن أخرجه: والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان. انتهى.
والحكمة فيه التَّقَوِّي بالفطر لرمضان؛ ليدخل فيه بقُوَّة ونشاط، قال الحافظ رحمه الله: وهذا فيه نظرٌ؛ لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام، أو أربعة جاز، وسنذكر ما فيه قريبًا.
وقيل: الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر أيضًا؛ لأنه يجوز لمن له عادةٌ، كما في الحديث.
وقيل: لأن الحكم عُلِّق بالرؤية، فمن تقدّمه بيوم أو يومين، فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، وهذا هو المعتمد.
ومعنى الاستثناء أن من كان له وِرْدٌ، فقد أُذن له فيه؛ لأنه اعتاده، وأَلِفَهُ، وتَرْكُ المألوف شديدٌ، وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلتحق بذلك القضاء والنذر؛ لوجوبهما، قال بعض العلماء: يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما، فلا يبطل القطعيّ بالظنّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.