للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثاني: أن هذا المعنى متكرر في القرآن.

والثالث: أن فيه احتياطًا للصيام.

فإن قيل: فقد روى مسلم عن ابن عمر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فإن غُمّ عليكم، فاقدروا له ثلاثين"، فيُحْمَل المطلق على المقيد.

قلنا: ليس هذا بصريح؛ لأنه يَحْتَمِل رجوعه إلى هلال شوال؛ لأنه سُبِقَ بقوله: "وأفطروا لرؤيته، فإن غُمّ عليكم"؛ يعني هلال شوال، فنستعمل اللفظين على موضعين، وإنما يُحْمَل المطلق على المقيد إذا لم يكن المقيَّد مُحْتَمِلًا، ويدل عليه رواية أبي هريرة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يومًا، ثم أفطروا"، ويستنبط من الحديث دليل آخر، وهو أن معناه: اقدروا له زمانًا يطلع في مثله الهلال، وهذا الزمان يصلح وجود الهلال فيه، ولأن في المسألة إجماع الصحابة، رُوي ذلك عن عمر، وابنه، وأبي هريرة، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وأنس، وعائشة، وأسماء، ولم يُعْرَف لهم مخالف في الصحابة.

وعن سالم بن عبد الله، قال: كان أبي إذا أشكل عليه شأن الهلال تقدم قبله بصيام يوم، وعن أبي هريرة: لأن أتعجل في صوم رمضان بيوم أحب إلي من أن أتأخر؛ لأني إذا تعجلت لم يفتني، وإذا تأخرت فاتني.

وعن عمرو بن العاص: أنه كان يصوم اليوم الذي يُشَكّ فيه من رمضان.

وعن معاوية أنه كان يقول: إن رمضان يوم كذا وكذا، ونحن متقدمون، فمن أحب أن يتقدم فليتقدم، ولأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان.

وعن عائشة، وقد سئلت عن اليوم الذي يُشَكّ فيه، فقالت: لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان، قال الراوي: فسألت ابن عمر، وأبا هريرة، فقالا: أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بذلك منا.

وعن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يُشَكّ فيه من رمضان.

قال: [فإن قيل]: كيف يُدَّعَى الإجماع، وفي المسألة خلاف ظاهر للصحابة، فقد رُوي منع صومه عن عمر، وعليّ، وابن مسعود، وعمار، وحذيفة، وابن عباس، وأبي سعيد، وأنس، وعائشة، ثم ذكر ذلك بأسانيده