وكذا، وإن كان النوء عندنا الوقتَ المخلوقَ لا يَضُرُّ ولا ينفع، ولا يُمطر ولا يَحبس شيئًا من المطر، والذي أحب أن يقول: مُطرنا وقت كذا، كما تقول مُطرنا شهر كذا، ومن قال: مُطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء أنزل الماء، كما عَنَى بعض أهل الشرك من الجاهلية بقوله فهو كافر، حلال دمه إن لم يتب.
وقال أبو عمر بن عبد البر: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - حاكيًا عن الله - سبحانه وتعالى -: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر"، فمعناه عندي على وجهين:
أما أحدهما: فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله - عز وجل - فذلك كافر كفرًا صريحًا، يجب استتابته عليه وقتله إن أبى؛ لنبذه الإسلام وردّه القرآن.
والوجه الآخر أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدّره الله وسبق في علمه، وهذا وإن كان وجهًا مباحًا، فإن فيه أيضًا كفرًا بنعمة الله - عز وجل -، وجهلًا بلطيف حكمته في أن ينزل الماء متى شاء، مرة بنوء كذا، ومرة بنوء كذا وكثيرًا ما ينوء النوء فلا ينزل معه شيء من الماء، وذلك من الله تعالى لا من النوء، وكذلك كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول إذا أصبح وقد مُطِر: مُطِرنا بنوء الفتح، ثم يتلو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}[فاطر: ٢].
قال أبو عمر: وهذا عندي نحو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بفضل الله ورحمته".
ومن هذا الباب قول عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب - رضي الله عنهما - حين استسقى به: يا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العباس: العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعًا بعد سقوطها، فما مضت سابعةٌ حتى مُطِروا، فقال عمر: الحمد لله، هذا بفضل الله ورحمته (١). وكأن عمر - رضي الله عنه - قد عَلِم أن نوء الثريا وقت، يُرجَى فيه المطر ويُؤَمَّل، فسأله عنه: أخرج منه أم بقيت منه بقية؟.
ورَوَى سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا
(١) وقد تقدّم أن فيه محمد بن إسحاق، مدلس، وقد عنعنه.