للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحكى ابن جرير عن الهيثم بن عديّ: أن من لغة أزد شنوءة: ما رَزَق فلان فلانًا، بمعنى ما شكره.

وقال آخرون: معناه: وتجعلون شكر رزقكم، فحَذَف المضاف، وأقام المضاف إليه مُقامه، قاله الأزهريّ وأبو عليّ الفارسيّ، وقال الحسن: أي تجعلون حَظّكم، قال قتادة: أما الحسن فكان يقول: بئس ما أَخَذَ قوم لأنفسهم، لم يُرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب، فمعنى قول الحسن هذا: وتجعلون حَظَّكم من كتاب الله أنكم تُكذِّبون به، ولهذا قال قبله: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)} (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ: قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)} قال ابن عباس: تجعلون شكركم التكذيب، وذكر الهيثم بن عَديّ أن من لغة أسد شنوءة: ما رَزَقَ فلانٌ: أي ما شكره، وإنما صلح أن يوضع اسم الرزق مكان شكره؛ لأن شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه، فيكون الشكر رزقًا على هذا المعنى، فقيل: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكر رزقكم الذي لو وُجِد منكم لعاد رزقًا لكم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} بالرزق، أي تَضَعُون الكذب مكان الشكر، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: ٣٥] أي لم يكونوا يصلون، ولكنهم كانوا يُصَفِّرون، وُيصَفِّقُون مكان الصلاة، ففيه بيانُ أن ما أصاب العباد من خير، فلا ينبغي أن يَرَوه من قبل الوسائط التي جَرَت العادة بأن تكون أسبابًا، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلونه بشكر، إن كان نعمةً، أو صبر إن كان مكروهًا؛ تعبدًا له وتذللًا.

وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قرأ: "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون" حقيقة (٢).

وعن ابن عباس أيضًا أن المراد به الاستسقاء بالأنواء، وهو قول العرب: مُطِرنا بنوء كذا، رواه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا أُحبّ أحدًا أن يقول: مُطرنا بنوء كذا


(١) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٣٠٠.
(٢) تقدّم أنه لا يصحّ مرفوعًا، وإنما الصحيح وقفه على ابن عباس - رضي الله عنهما -.