[ثانيها]: لعل السائل لم يعلم قبل ذلك الحكم الشرعيّ، وهو أن الشهر المعتبر بعينه بالهلال لا يعتبر فيه العدد، وإنما يعتبر فيه الهلال حتى بيّنه له الشارع في هذا الحديث.
[ثالثها]: يَحْتَمِل أن السائل عرف أن المحلوف عليه شهر بعينه بالهلال، وعرف أن المعتبر فيه الهلال دون العدد، ولكنهم لم يكونوا رأوا الهلال لمانع من غيم أو غيره، أو لم ينتصبوا لرؤيته؛ لكونه ليس رمضان ولا شعبان، وعلم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالوحي انقضاء الشهر، فأخبر به، ويدل لذلك قوله في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند النسائيّ:"أتاني جبريل عليه السلام، فقال: الشهر تسع وعشرون". انتهى كلام وليّ الدين رحمه اللهُ (١).
٦ - (ومنها): ما قاله ولىّ الدين أيضًا:
[إن قلت]: ظاهر قوله: "إن الشهر تسع وعشرون" حصرُ الشهر في تسع وعشرين، مع أنه لا ينحصر فيه، فقد يكون ثلاثين.
[قلت]: عنه أجوبة:
[أحدها]: أن المعنى كما تقدم: أن الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا، وحينئذ فلا إشكال في ذلك.
[ثانيها]: أن الألف واللام للعهد، والمراد: أن هذا الشهر الذي أَقْسَمَ على الامتناع من الدخول فيه تسعة وعشرون يومًا.
[ثالثها]: أنه بَنَى ذلك على الغالب الأكثر؛ لأن مجيء الشهر تسع وعشرون في زمنه -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر من ثلاثين، وفي "سنن أبي داود"، والترمذيّ، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال:"ما صمنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين"، وكذا في "سنن ابن ماجه"، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
[رابعها]: قال القاضي أبو بكر ابن العربيّ: معناه حصره من أحد طرفيه، وهو النقصان؛ أي إنه يكون تسعًا وعشرين، وهو أقله، وقد يكون ثلاثين، وهوأكثره، فلا تأخذوا أنتم بصوم الأكثر أنفسكم احتياطًا، ولا تقصروا على الأقل تخفيفًا، ولكن اربطوا عبادتكم برؤيته، واجعلوا عبادتكم مرتبطةً ابتداءً وانتهاءً