للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضًا. انتهى (١).

٤ - (ومنها): أن هذا الحديث صريح أن حلفه -صلى الله عليه وسلم- كان على الامتناع من الدخول على أزواجه شهرًا، فتبيّن أن قوله في حديث أم سلمة، وأنس، وغيرهما -رضي الله عنهم-: "آلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من نسائه" أريد به ذلك، ولم يُرَد به الحلف على الامتناع من الوطء، والروايات يفسّر بعضها بعضًا، فإن الإيلاء في اللغة مطلق الحلف، لكنه مستعمل في عرف الفقهاء في حلف مخصوص، وهو الحلف على الامتناع من وطء زوجته مطلقًا، أو مدّة تزيد على أربعة أشهر، فلا يستعمل الإيلاء عندهم فيما عدا ذلك، والإيلاء على الوجه المذكور حرام؛ لما فيه من إيذاء الزوجة، وليس هو المذكور في الحديث، ولو حلف على الامتناع من وطء الزوجة أربعة أشهر، فما دونها لم يكن حرامًا، وتعديته في حديث أم سلمة وغيرها بـ"من" يدلّ على ذلك؛ لأنه راعى المعنى، وهو الامتناع من الدخول، وهو يتعدّى بـ"من"، قاله الحافظ وليّ الدين رحمه الله (٢).

٥ - (ومنها): أن هذا الحديث محمول عند الفقهاء على أنه -صلى الله عليه وسلم- أقسم على ترك الدخول على أزواجه شهرًا بعينه بالهلال، وجاءه ذلك الشهر ناقصًا، فلو تم ذلك الشهر ولم يُرَ الهلال فيه ليلة الثلاثين لمكث ثلاثين يومًا، أما لو أقسم على ترك الدخول عليهن شهرًا مطلقًا لم ينطبق الحلف فيه على أول الهلال لم يبرّ إلا بشهر تامّ بالعدد، قال وليّ الدين رحمه الله: هذا هو الذي نعرفه لأصحابنا وغيرهم، فإن كان أحد من الفقهاء يقول بالاكتفاء بتسعة وعشرين يومًا، ولو كان ذلك في أثناء شهر، فهذا الحديث حجة له، وقال أيضًا:

[فإن قلت]: إذا كان المحلوف عليه شهرًا بعينه بالهلال، وقد رئي لتمام تسعة وعشرين يومًا فما وجه السؤال عنه، وقد كمل الشهر بالرؤية؟.

[أجيب]: بأنه يَحْتَمِل أوجهًا:

[أحدها]: أن السائل لم يعلم بأنه شهر يعينه بالهلال، بل ظَنّ أنه شهر عدديّ، فبنى على ذلك سؤاله.


(١) انظر: "طرح التثريب في شرح التقريب" ٤/ ١١٩ - ١٢٠.
(٢) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٤/ ١١٩.