واستُهِلّ بالبناء للمفعول، ومنهم من يُجيز بناءه للفاعل، وهَلَّ، من باب ضرب لغةٌ أيضًا: إذا ظهر، وأَهْلَلنا الهلالَ، واستهللناه: رفعنا الصوت برؤيته، وأهلّ الرجل: رفع صوته بذكر الله تعالى عند نعمة، أو رؤية شيء يعجبه.
و"الهلال" هو القمر في حالة خاصّة، قال الأزهريّ: ويسمّى لليلتين من أول الشهر هلالًا، وفي ليلة ستّ وعشرين، وسبع وعشرين أيضًا هلالًا، وما بين ذلك يسمّى قمرًا، وقال الفارابيّ، وتبعه في "الصِّحَاح": الهلال لثلاث ليال من أول الشهر، ثم هو قمر بعد ذلك، وقيل: الهلال هو الشهر بعينه (١).
(وَأنَا بِالشَّامِ) جملة حالية؛ يعني أنه رؤي هلال رمضان، والحال أن كريبًا بالشام، قبل أن يرجع إلى المدينة (فَرَأَيْتُ الْهِلَال) وفي رواية أبي داود، والترمذيّ:"فرأينا الهلال" بنون الجمع (لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَألنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -) يعني أنه سأله عن أمور تتعلّق به، وبسفره، وعن حال أهل الشام، وغير ذلك، كما هو الشأن والعادة عند قدوم المسافر من سفره (ثُمَّ) انساق الكلام إلى أن (ذَكَرَ الْهِلَالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيتُمُ الهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: أنتَ رَأَيْتَهُ) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي أأنت رأيته؟، وفي رواية النسائيّ:"أنت رأيته لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؟ "(فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، فَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: لَكِنَّا) بنون مشددة، لإدغام نون "لكن" في نون ضمير جمع المتكلّم، وفي رواية النسائيّ:"لَكِنْ" بسكون النون (رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ) أي بعد رؤية أهل الشام (فَلَا نَزَالُ نَصُومُ، حَتى نُكمِلَ ثَلَاِثِينَ) وفي رواية النسائيّ: "حتى نُكمِل ثلاثين يَوْمًا"(أَوْ نَرَاهُ) أي قبل ذلك لتسعة وعشرين (فَقُلتُ: أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ، وَصِيَامِهِ؟) وفي رواية النسائيّ: "أْوَ لا تكتفي برؤية معاوية وَأَصْحَابِهِ؟ "(فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) الظاهر أنه أراد: أمرنا أن لا نعتمد على رؤية غيرنا، ولا نكتفي بها، بل لا نعتمد إلا على رؤية أهل بلدنا، وقد ترجم الترمذيّ -رحمه الله-، فقال:"ما جاء لكلّ أهل بلد رؤيتهم"، ثم أورد حديث الباب، وقال أيضًا: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكلّ أهل بلد رؤيتهم. انتهى.