فمنهم من حمله على ظاهره، فقال: لا يكون رمضان، ولا ذو الحجة أبدًا إلا ثلاثين، وهذا قول مردود، معاند للموجود المشاهد، ويكفي في ردّه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا العدّة"، فإنه لو كان رمضان أبدًا ثلاثين لم يُحتج إلى هذا.
ومنهم من تأول له معنى لائقًا، وقال أبو الحسن: كان إسحاق ابن راهويه يقول: لا ينقصان في الفضيلة، إن كانا تسعة وعشرين، أو ثلاثين. انتهى.
وقيل: لا ينقصان معًا إن جاء أحدهما تسعًا وعشرين، جاء الآخر ثلاثين، ولا بُدّ، وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما، وهذان القولان مشهوران عن السلف، وقد ثبتا منقولين في أكثر الروايات في البخاريّ، وسقط ذلك في رواية أبي ذرّ، وفي رواية النسفيّ وغيره عقب الترجمة قبل سياق الحديث: قال إسحاق: وإن كان ناقصًا فهو تمام، وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقصٌ، وإسحاق هذا هو ابن راهويه، ومحمد هو البخاريّ المصنّف.
ووقع عند الترمذيّ نقل القولين عن إسحاق ابن راهويه، وأحمد بن حنبل، وكأن البخاريّ اختار مقالة أحمد، فجزم بها، أو تواردا عليها، قال الترمذيّ: قال أحمد: معناه لا ينقصان معًا في سنة واحدة. انتهى.
قال الحافظ: ثم وجدت في نسخة الصغانيّ ما نصّه عقب الحديث: قال أبو عبد الله: قال إسحاق: تسعة وعشرون يومًا تامّ، وقال أحمد بن حنبل: إن نقص رمضان تَمّ ذو الحجة، وإن نقص ذو الحجة تَمّ رمضان، وقال إسحاق: معناه: وإن كان تسعًا وعشرين فهو تمام غير نقصان، قال: وعلى مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معًا في سنة واحدة، وروى الحاكم في "تاريخه" بإسناد صحيح أن إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك، فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين، فإذا كان تسعًا وعشرين ترونه نقصانًا، وليس ذلك بنقصان، ووافق أحمد على اختياره أبو بكر أحمد بن عمرو البزار، فأوهم مغلطاي أنه مراد الترمذيّ بقوله: وقال أحمد، وليس كذلك، وإنما ذكره قاسم في "الدلائل" عن البزار، فقال: سمعت البزار يقول: معناه لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة، قال: ويدل عليه رواية زيد بن عقبة، عن سمرة بن جندب، مرفوعًا: "شهرا عيد لا يكونان ثمانية