شيخه قاله، وكذا شيخ شيخه، وقد رواه البيهقيّ من رواية الربيع بن سليمان، عن ابن وهب، عن يونس والليث، جميعًا عن ابن شهاب، وفيه: قال سالم: وكان رجلًا ضرير البصر، ففي هذا أن شيخ ابن شهاب قاله أيضًا، قال: وسيأتي في "كتاب الصيام" عن البخاريّ من وجه آخر، عن ابن عمر ما يؤدي معناه، فثبتت صحة وصله، ولابن شهاب فيه شيخ آخر، أخرجه عبد الرزاق، عن معمر عنه، عن سعيد بن المسيِّب، وفيه الزيادة، قال ابن عبد البرّ: هو حديث آخر لابن شهاب، وقد وافق ابنُ إسحاق معمرًا فيه عن ابن شهاب.
وقوله:"أصبحتَ أصبحتَ" أي دخلت في الصباح، هذا ظاهره، واستُشْكِل؛ لأنه جعل أذانه غاية للأكل، فلو لم يؤذِّن حتى يدخل في الصباج للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر، والإجماع على خلافه، إلا مَن شَذَّ كالأعمش، وأجاب ابن حبيب، وابن عبد البرّ، والأصيليّ، وجماعة من الشراح، بأن المراد: قاربت الصباح.
وَيعْكُر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها:"ولم يكن يؤذِّن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: أَذِّنْ"، وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية البخاريّ التي في "الصيام": "حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر"، وإنما قلت: إنه أبلغ لكون جميعه من كلام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأيضًا فقوله:"إن بلالًا يؤذِّن بليل" يشعر أن ابن أم مكتوم بخلافه، ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرقٌ؛ لِصِدْق أن كلًّا منهما أَذَّنَ قبل الوقت، وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال، وأقرب ما يقال فيه: إن أذانه جُعِل علامة لتحريم الأكل والشرب، وكأنه كان له مَن يراعي الوقت، بحيث يكون أذانه مقارنًا لابتداء طلوع الفجر، وهو المراد بالبزوغ، وعند أخذه في الأذان يَعْتَرِض الفجر في الأفق.
ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم:"أصبحتَ" أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر؛ لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل، وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر، وهذا وإن كان مستبعدًا في العادة، فليس بمستبعد من مؤذن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المؤيَّد بالملائكة، فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة.