مالك: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزيد بن ثابت تسحّرا، فلما فرغا من سحورهما قام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، فصلّيا، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية. (قُلْتُ) القائل أنىس -رضي الله عنه-، والمقول له زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، وفي رواية لأحمد عن يزيد بن هارون، عن همام، وفيه أنّ أنسأ قال: قلت لزيد … (كَمْ كانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟) أي ما بين التسحّر، والصلاة، وفي رواية للبخاريّ:"قلت: كم كان بين الأذان والسُّحُور"(قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً) قال القرطبيّ رحمه الله: كذا الرواية "خمسين" بالياء، لا بالواو، وهو على حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه مخفوضًا، وهو شاذّ، لكن سوّغه دلالة السؤال المتقدّم عليه؛ لأنه لَمّا قال:"كم كان قدر ما بينهما؟ فقال: خمسين آية"، فحذف "قدر"، وبقي ما بعده مخفوضًا على حاله معه. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: إنما كان هذا الوجه شاذًّا؛ لأن شرط حذف المضاف، هابقاء المضاف إليه مجروراً أن يُعطف المضاف المحذوف على مماثله، كما في قول الشاعر [من الطويل]:
وفي رواية البخاريّ:"قدرَ خمسين آية"، وفي رواية النسائيّ:"قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية"؛ أي متوسّطة، لا طويلة، ولا قصيرة، لا سريعة، ولا بطيئة، و"قدرُ" بالرفع على أنه خبر المبتدأ، ويجوز النصب على أنه خبر "كان" المقدّرة في جواب زيد، لا في سؤال أنس؛ لئلا تصير "كان " واسمها من قائل واحد، والخبر من آخر: أي كان الزمن قدرَ إلخ.
وقال المهلّب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدّر الأوقات بالأعمال، كقولهم: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت -رضي الله عنه- عن ذلك التقدير بالقراءة، إشارةً إلى أن ذلك الوقت كان