التحريم، وقيل: على سبيل الكراهة، وقيل: يحرم على مَن شَقَّ عليه، ويباح لمن لم يشق عليه، وقد اختَلَف السلف في ذلك، فنُقِل التفصيل عن عبد الله بن الزبير، ورَوَى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه أنه كان يواصل خمسة عشر يومًا، وذهب إليه من الصحابة أيضًا أخت أبي سعيد، ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نُعْم، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وإبراهيم بن زيد التيميّ، وأبو الجوزاء، كما نقله أبو نعيم في ترجمته في "الحلية"، وغيرهم، رواه الطبري وغيره.
ومن حجتهم أنه -صلى الله عليه وسلم- واصل بأصحابه بعد النهي، فلو كان النهي للتحريم لَمَا أقرّهم على فعله، فعُلِم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم، والتخفيف عنهم، كما صَرَّحت به عائشة -رضي الله عنها- في حديثها، وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل؛ خشيةَ أن يُفْرَض عليهم، ولم يُنكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشقّ عليه، وسيأتي نظير ذلك في صيام الدهر، فمن لم يشقّ عليه، ولم يقصد موافقة أهل الكتاب، ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر، لم يُمنع من الوصال.
قال الجامع عفا الله عنه: في قوله: "ولم ينكر إلخ" نظرٌ لا يخفى، وكيف لم ينكر؟، وقد ثبتٌ إنكاره -صلى الله عليه وسلم- على عبد الله بن عمرو، وأنكر على من واصل، وأنكر على الرهط الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يسألون عن عبادته -صلى الله عليه وسلم-، فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها، إلى أن قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر، ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل الثساء، فلا أتزوج أبدًا، فلما سمع بذلك -صلى الله عليه وسلم-، أنكر عليهم أشدّ الإنكار، فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"، متّفقٌ عليه، فأيّ إنكار أشدّ من هذا؟ فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد.
قال: وذهب الأكثرون إلى تحريم الوصال، وعن الشافعية في ذلك وجهان: التحريم، والكراهة، هكذا اقتصر عليه النوويّ، وقد نَصّ الشافعي في "الأم" على أنه محظور.
وأغرب القرطبيّ، فنقل التحريم عن بعض أهل الظاهر على شكّ منه في