عليهم من الملل في العبادة، والتقصير فيما هو أهم منه، وأرجح من وظائف الصلاة، والقرأءة، وغير ذلك، والجوعُ الشديد ينافي ذلك، وقد صَرَّح بأن الوصال يختص به؛ لقوله: "لست في ذلك مثلكم"، وقوله: "لست كهيئتكم"، هذا مع ما انضم إلى ذلك من استحباب تعجيل الفطر، كما تقدم في بابه.
قال الحافظ: ويدلّ على أنه ليس بمحرَّم حديث أبي داود، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدَّثني رجل من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن الحجامة، والمواصلة، ولم يُحَرِّمهما؛ إبقاءً على أصحابه، فقيل له: يا رسول الله إنك تواصل إلى السحر؟ فقال: "إنني أواصل إلى السحر، وربي يطعمني، ويسقيني"، فإن الصحابيّ صَرَّح فيه بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يُحَرِّم الوصال.
ورَوَى البزار، والطبرانيّ من حديث سمرة -رضي الله عنه-: نَهَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، وليس بالعزيمة.
وأما ما رواه الطبرانيّ في "الأوسط" من حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه-: أن جبريل قال للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد قَبِل وصالك، ولا يحل لأحد بعدك"، فليس إسناده بصحيح، فلا حجة فيه.
ومن أدلة الجواز: إقدام الصحابة -رضي الله عنهم- على الوصال بعد النهي، فَدَلّ على أنهم فَهِمُوا أن النهي للتنزيه، لا للتحريم، وإلا لَمَا أقدموا عليه.
ويؤيد أنه ليس بمحرَّم أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- حديث بَشِير ابن الخصاصية، الذي أخرجه أحمد، والطبرانيّ، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم في "تفسيريهما" بإسناد صحيح إلى ليلى امرأة بَشِير ابن الخصاصية، قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلةً، فمنعني بشير، وقال: إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن هذا، وقال: "يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى، أتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا"، لفظ ابن أبي حاتم.
قال: سوَّى في علة النهي بين الوصال، وبين تأخير الفطر، حيث قال في كل منهما: "إنه فعل أهل الكتاب"، ولم يقل أحد بتحريم تأخير الفطر سوى بعض من لا يُعْتَدّ به من أهل الظاهر.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى ما في قوله: "ولم يقل إلخ"، وقوله: