للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"من لا يُعتدّ به إلخ"، من المجازفة، وكيف لا يُعتدّ بمن يكون ظاهر النصّ معه؟ والله المستعان.

قال: ومن حيث المعنى ما فيه من فطم النفس وشهواتها وقمعها عن ملذوذاتها، فلهذا استمرّ على القول بجوازه مطلقًا أو مقيدًا مَن تقدم ذكره. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا حاول الحافظ في تأييد مذهب القائلين بإباحة الوصال، مع أن النصوص واضحة مستنيرة في الدلالة على التحريم.

فالحقّ الذي يقتضيه ما سبق من الأدلّة أن النهي عن الوصال للتحريم، إلا ما استثناه، وهو الوصال حتى السحر، وأما ما ذكره من استمرار بعض الصحابة، أو من بعدهم عليه، فلا يكون حجة؛ إذ لا حجة فيما عارضه النصوص.

قال أبو محمد بن حزم رَحِمَهُ اللهُ بعد أن ذكر أدلة النهي ما نصّه: هذا يوضح أن لا حجة في أحد غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا صاحب ولا غيره، فقد واصل قوم من الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتأولوا في ذلك التأويلات البعيدة، فكيف بعده عليه السلام، فكيف من دونهم، ولا فرق بين من خالف حَضَّه عليه السلام على صوم يوم عرفة، ونهيه عليه السلام عن تخصيص صوم يوم الجمعة، وتأولوا في ذلك أنه عليه السلام لم يصم يوم عرفة، وقول ابن مسعود: قَلّما رأيته عليه السلام مفطرًا يوم جمعة، وبين من خالف نهيه عن الوصال، وتأول أنه عليه السلام كان يواصل. انتهى كلام ابن حزم رَحِمَهُ اللهُ (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.

والحاصل أن القول بتحريم الوصال إلا إلى السحر هو الظاهر الذي تؤيّده الأدلة، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب (المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يطعمني ويسقيني":

قيل: هو على حقيقته، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله؛ كرامةً له في ليالي صيامه.


(١) "المحلّى لابن حزم" ٧/ ٢٢.