وتعقبه ابنُ بطال، ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلًا، وبأن قوله:"يَظَلّ" يدل على وقوع ذلك بالنهار، فلو كان الأكل والشرب حقيقةً لم يكن صائمًا.
وأجيب بأن الراجح من الروايات لفظ:"أبيت"، دون "أَظَلّ"، وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى له من حمل لفظ "أَظَلّ" على المجاز، وعلى التنزل فلا يَضرّ شيء من ذلك؛ لأن ما يؤتى به الرسول كلعلى سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها، لا تجري عليه أحكام المكلفين فيه، كما غُسِل صدره -صلى الله عليه وسلم- في طست الذهب، مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية حرامٌ.
وقال ابن الْمُنَيِّر في "الحاشية": الذي يفطر شرعًا إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارف للعادة، كالمحضر من الجنة، فعلى غير هذا المعنى، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب، كأكل أهل الجنة في الجنة، والكرامة لا تبطل العبادة.
وقال غيره: لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما، ولا يلزم شيء مما تقدم ذكره، بل الرواية الصحيحة:"أبِيت"، وأكله وشربه في الليل مما يُؤتى به من الجنة لا يقطع وصاله؛ خصوصيةً له بذلك، فكأنه قال -لما قيل له: إنك تواصل-، فقال:"إني لست في ذلك كهيئتكم"؛ أي على صفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله، بل إنما يطعمني ربي ويسقيني، ولا تنقطع بذلك مواصلتى، فطعامي وشرابي على غير طعامكم وشرابكم صورةً ومعنًى.
وقال الزين ابن المنير: هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشِّبَع والرِّيّ بالأكل والشرب، ويستمرّ له ذلك حتى يستيقظ، ولا يبطل بذلك صومه، ولا ينقطع وصاله، ولا ينقص أجره.
وحاصله أنه يُحْمَل ذلك على حالة استغراقه -صلى الله عليه وسلم- في أحواله الشريفة، حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية.
وقال الجمهور: قوله: "يُطعمني ويُسقيني" مجاز عن لازم الطعام والشراب، وهو القوّة، فكأنه قال: يعطيني قوة الآكل والشارب، ويُفيض عليّ